!!! حكومة الجماهير ...  تبني مجتمعها 

ربما تستطيع حكومة - أي حكومة - صياغة قواعد وضوابط وقوانين ولوائح تنظم مجتمعا ما … ولكنه وبالتأكيد ، سينصب كل جهدها في خانة خدمة مصالحها وتحقيق أهدافها … وبما يضمن لها وبحرية شديدة التصرف في إمكانات ومقدرات وقدرات هذا المجتمع وعلى الأصعدة المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية … وهذا هو لب الصراع بين الجموع في كل عصر وحقبة وبين أدوات الحكم التقليدية … ولنفس الأسباب الجوهرية فإن مشروعات القوانين في المجتمع الجماهيري والتي مهما اجتهد واضعوها وأخلصوا النية … فلا يمكن لهم أن يحققوا تطلعات الجماهير في هذا المجتمع الجديد .. ولا يمكن لهم أيضا أن يصيغوا أحلام الجموع في التخلص نهائيا من كل قيد وأي قيد … عدا مصالح هذا المجتمع الجديد والتاريخي … ووفقاً لضوابطه وقوانينه التي وردت في الكتاب الأخضر … ويزيد على التمسك بالنصوص فلسفة القوانين والقرارات لتطابق سماحة وروح هذه الأفكار الإنسانية الخالدة التي تتمسك بإنسانية الإنسان وتضعها فوق كل اعتبار… ومن ثُم :

 

فإن غياب الجماهير عن مناقشة قوانين المجتمع الجماهيري التي تنظم حركته وتحدد العلاقات بين أفراده .. وبين أفراده وآلياته .. وبين آلياته و آلياته .. وكذا طبيعة العلاقات .. والخروج من الأنشطة التقليدية للصياغات … وقبولاً بالحلول النهائية بما يواكب طموحات الجماهير ويحقق تطلعاتها … نقول فإن غياب الجماهير يمثل انتكاسة لأحلامها تتحمل هي مسؤولياتها … باعتبار أنه يشكل قصوراً في القواعد ينعكس بالتأكيد على مصالحها بتهديده للتوازن الحقيقي في المجتمع والذي هو الأساس للمجتمع الجماهيري .. في نفس الوقت يعد قبولاً من الجماهير " بالنيابة " التي يقوم المجتمع الجماهيري على لفظها وهي هنا " المعد " بصرف النظر عن طبيعته فرداً كان أو هيئة أو خبراء أو مستشارين أو خلافه والتي تعتبر هي المشرع الحقيقي وليس الجماهير . 

ولعل ما يعرض من مشروعات للقوانين على الدورة القادمة للمؤتمرات الشعبية ولاتي ستنعقد خلال أيام ليكتسي أهمية خاصة باعتباره تتويجاً لجهد ثوري وعمل شعبي وتجربة طويلة لجماهير الشعب الليبي صنعت خلالها مجتمعاً يبهر العالم .. يحتاج لمسات تنفث في روحه الحياة وتخلصه من رتابة وتكسيه البعد الإنساني .. بعد أن تعمق وعي الجماهير بالطرح من فرط ما إصدمت بالواقع المناقض لتوجهاتها .

وتأتي مشكلة زيادة الإنتاج والتي وجد لها الليبيون حلاً في تعميم القواعد الطبيعية العادلة والتي تتمثل في المساواة بين عناصر الإنتاج الإقتصادي حيث سيتحقق وجود الحافز باعتبار أن الذي ينتج لنفسه مخلصاً في عمله لأنه يحقق إشباعا لحاجاته المادية .. ومن ثم فإن إسناد بعد المناشط التي تديرها جهات عامة للأفراد أو التشاركيات أو الشركات المساهمة كل وفق قدراته وخبراته كفيلاً بتعميم الفائدة وتحقيق ما يصبو إليه المجتمع الجماهيري من زيادة في الإنتاج تكفي لتحقيق فائض يضمن سعادة ورفاهية جموع المجتمع .. 

هذا هو الأساس … ولكن المسألة تحتاج جهداً ووعياً من جماهير المؤتمرات الشعبية في تحديد تلك المناشط خدمية أو إنتاجية .. كما ينبغي أن تعني جماهير المؤتمرات بوضع الاستراتيجية لتطوير تلك المناشط ورفع دخول القائمين عليها ومن ثم إعطاء الصيغة القانونية بكل محدداتها لهذا التحول على طريق الإنتاج .

وتأتي على قائمة الأولويات مسألة الاستثمار العقاري … فقد حرم الكتاب الأخضر الإيجار كما حرم الأجرة واعتبارها نوعاً من العبودية .. ولكن الضرورات تحتاج ضوابط للعمل بها لا تخالف النص الفقهي للنظرية ولا تتعارض مع روح المجتمع الجماهيري .. 

فالعديد من الليبين يتواجدون حيث مقار أعمالهم وهؤلاء يحتاجون سكناً وهو ما يعرف بالإسكان الوظيفي .. ومن ثم أدرجت جماهير المؤتمرات الشعبية على جدول أعمالها مشروع قانون يتيح للجهات الاعتبارية وللأشخاص الاعتبارين وللأفراد ممارسة نشاط الاستثمار العقاري كنشاط اقتصادي " أي لغير الإستغلال " شرط أن تكون الأسعار مراعية لمستوى التنفيذ وتحددها مكاتب خاصة بها من الفنيين ذوي القدرات مما يؤهلهم لهذا .. وهذا فيه الحل لكثير من مشاكل هذا القطاع ..

وبقدر ما تهتم مشروعات القوانين المعروضة على الدورة القادمة بتنظيم الداخل فهي بنفس القدر تهتم بحماية المجتمع الجماهيري من الخارج خاصة في ظروف قد تستغلها الدول المعادية للتدخل في الشئون الداخلية وهو ما نظمته معاهدة دولية تحمل أسم (( الاتفاقية الاطارية للمساعدة في مجال الحماية المدنية)) وتحدد سبل مواجهة ما يتعرض له أي مجتمع من كوارث طبيعية أو غير طبيعية وطرق مساهمة الآخرين - دولاً وهيئات - وشروط هذه المساعدات وحق الدول والمجتمعات في رفض المساعدات المشروطة أو التي تمس الأمن أو السيادة الوطنية ..

إضافة إلى التخطيط العمراني وتعديل قانون منتسبي الهيئات المدنية النظامية.. وعدد آخر من القضايا المصيرية والمؤثرة في مستقبل أجيالنا القادمة …

لهذا وغيره كثير .. 

نؤكد أن غياب الجماهير هو مساس بمستقبلها من واقع قبولها بـ " النيابة " في تقرير الأحكام والقوانين نيابة عنها .. بصرف النظر عن إخلاص وحسن نية من فعل هذا .. فمستقبل الأمم لا تصنعه النوايا الحسنة .. ولا تشبع جائعاً ولا تكسو عارياً مشاعر طيبة .. ولا يرفع الظلم عن مظلوم أو الغبن عن مغبون غير تقرير الحق من الباطل .. ولا يعيد الحقوق لأصحابها إلا قانون واضح كل الوضوح صاغته الجماهير بوعيها ومن عمق مسؤولياتها وإحساسها بهذه المسؤولية ..

 

وهذه هي سلطة الشعب نصاً وروحاً 
 وهكذا تبني الجماهير مجتمعها ...

عـودة