حل المشكل

الإقتصادي

" الإشتراكية "

الركن الإقتصادي للنظرية العالمية الثالثة


إن الأجـراء مهما تحسنت أجورهم هم نوع من العبيد 

الحاجة

المسكن

المعاش

المركوب

الارض

خدم المنازل

 

 

بالرغم من أن تطورات تاريخية هامة قـد حدثت على طريق حل مشكلة العمل و أجرة العمل ،أي العلاقـة بين العمال .. و أصحاب العمل ، بين المالكين والمنتجين ، منهـا تحديد ساعات العمـل ، و أجرة العمل الإضافي و الإجازات المختلفة ، والاعتـراف بحد أدنى للأجـور،ومشــاركة العمال في الأرباح والإدارة،ومنع الفصل التعسفي، والضمان الاجتماعي، وحـق الإضراب، وكل ما حوته قوانـين العمل التي لا يكاد يخـلو تشريع معاصر منها. وحدثت أيضاً تحولات لا تقل أهمية عن تـلك في جانب الملكية من حيـث ظهور أنظمة تحـد من الدخـل، وأنـظمة تحرم الملكية الخاصة وتـسنـدها للحكومة . برغـم كل هـذه التطورات التي لا يستهان بهـا في تاريخ المشكل الاقتصادي إلا أن المشكلة مازالت قائـمة جـذرياً مـع كـل التــقليـمات والتحسـينات والتهذيـبات والإجـراءات والتـطورات التـي طرأت عليها والتـي جعلتها أقل حدة مـن القرون الماضــية، وحقـقت مصالح كثيرة للعامـلين ، إلا أن المشكل الاقتصـــادي لم يحل بعـد في العالم ، فالمحــاولات التي انصبــــــــت علـى المـــلكية لم تحل مشكلة المنتجين ،فلا يزالون أجراء برغم انتقال أوضاع الملكية من أقصى اليميــن إلى أقصى اليسـار واتخـاذها عدة أوضاع في الوسط بيـن اليسار و اليمين.

والمحاولات الــتي انصبت على الأجرة لا تقل بعداً في هذا الجانب عن المحاولات التي أنصبت على الملكية ونقلتها من وضع إلى وضع . وفي مجمل معالجة قضية الأجرة هو المزايا التي حصل عليها العاملون وضمنتها التشريعات وحمتــها النقابات ، حيث تبدلت الحالة السيـئة التي كان عليـها المنـتجون غــداة الانقلاب الصناعي ، واكــتسب العمـال والفنيون والإداريون حقوقاً مع مرور الزمن كانت بعيدة المنال . ولكن فــي واقع الأمر فإن المشكل الاقتصادي مازال قائمـاً .

 

إن المحاولة التي انصبت على الأجور ليست حلاً على الإطلاق ، وإنما هي محاولة تلفيقية وإصلاحية أقرب إلى الإحسان منها إلى الاعتراف بحق للعاملين. لماذا يعطى العاملون أجرة : لأنهم قاموا بعملية إنتاج لصالح الغير الذي استأجرهم لينتجوا له إنتاجاً إذن ، هم لم يستهلكوا إنتاجهم ، بل اضطروا إلى التنازل عنه مقابل أجرة ، و القاعدة السليمة هي :
((الذي ينتج هو الذي يستهلك )) .
(( إن الأجـراء مهما تحسنت أجورهم هم نوع من العبيد )).
إن الأجير هـو شبـه العبد للسـيد الــذي يستأجره ، بل هــو عبد مؤقت ، و عبوديته قائمة بقـيام عمله مقابل أجر من صاحب العمل بغض النــظر عن حيثية صاحب العمل مـن حيث هــو فرد أو حكومة.

فـالعاملون من حيث علاقتهم بالمالك أو بالمنشـأة الإنتاجية ، من حيث مصالحهم الخـاصة واحدة .. فهم أجراء في كل الحالات الموجودة الآن في العالم، برغم أن أوضاع الملكية مختلفة من اليمين إلى اليسار . حتى المنشأة الاقتصادية العامة لا تعطي لعمالها إلا أجورا ومساعدات اجتماعية أخرى أشبه بالإحسان الذي يتفضل به الأغنياء أصحاب المؤسسات الاقتصادية الخاصة على العاملين معهم .
فالقول بأن الدخل في حالة الملكية العامة يعود إلى المجتمع، بمن فيه العاملون خلافاً لدخل المؤسسة الخاصة الذي يعود لمالكها فقط صحيح إذا نظرنـا إلى المصلحة العامة للمجتمع و ليس إلى المصالح الخاصة للعاملين، وإذا افترضنا أن السلطة السياسية و المحتكرة للملكية هـي سلطـة كل النــاس ، أي أنهـا سلطــة الشعــب بكاملـــــه يمارسها عن طريق المؤتمرات الشعبية و اللجان الشعبية .. وليست سلطة طبقة واحدة، أو حزب واحد، أو مجموعة أحزاب ، أو سلطة طائفة، أو قبيلة، أو عائلة، أو فرد، أو أي نوع من السلطة النيابية. ومع هذا فإن ما يعود على العاملين مباشرة من حيث مصالحهم الخاصة ، في شكل أجور أو نسبة من الأرباح أو خدمات اجتماعية ، هو نفس الذي يعود على العاملين في المؤسسة الخاصة : أي أن كلا من العاملين في المنشأة العامة و المنشأة الخاصة هم أجراء برغم اختلاف المالك.

وهكذا فإن التطور الذي طرأ على الملكية من حيث نقلها من يد إلى يد لم يحل مشكلـة حق العامل في الإنتـاج ذاتـه الذي ينتجه مباشـرة ، و ليس عن طريق المجتمــــــع أو مقابل أجـرة ، و الدليــــل على ذلــــــك هو أن المنتجين لايزالون أجراء برغم تبدل أوضاع الملكية.
إن الحل النهائي هو إلغاء الأجرة، و تحرير الإنسان من عبوديتها، و العودة إلى القواعد الطبيعية التي حددت العلاقة قبل ظهور الطبقات و أشكــال الحكومات و التشريعات الوضعية .

إن القواعد الطبيعيـة هـي المقيـاس و المرجع و المصدر الوحيد في العلاقات الإنسانية .إن القواعد الطبيعية أنتجت اشتراكية طبيعية قائمة على المساواة بين عناصر الإنتاج الاقتصادي ، و حققت استهلاكاً متساويــاً تقريباً لإنتـاج الطبيعـة بيـن الأفراد . أما عمليات استغلال إنسان لإنسان ، و استحواذ فرد على أكثر من حاجته من الثروة ، فهـي ظاهـرة الخروج عن القاعدة الطبيعية و بداية فساد و انحراف حياة الجماعة البشرية ، و هي بداية ظهور مجتمع الاستغلال . وإذا حللنا عوامل الإنتاج الاقتصادي منذ القدم و حتى الآن ، و دائماً، نجدها تتكون حتماً من عناصر إنتاج أساسية ، وهي مواد إنتاج، و وسيلة إنتاج ، ومنتج . و القاعـدة الطبيعية للمساواة هي : أن لكل عنصر من عناصر الإنتاج حصة في هذا الإنتاج ، لأنه إذا سُحب واحد منها لا يحدث إنتاج ، ولكل عنصر دور أساسي في عملية الإنتاج، و بدونه يتوقف الإنتاج .

وما دام كل عنصر من هذه العناصر ضرورياً و أساسياً، إذن هي متساوية في ضرورتها في العملية الإنتاجية ، و لابد أن تتساوى في حقها في الإنتاج الذي أنتجته ، و طغيان أحدها على الآخر هو تصادم مع القاعدة الطبيعية للمساواة ، و تعدٍ على حـــــــــــق الغير، إذن ، لكل عنصـر حصة بغض النظر عن هذه العناصر ، فإذا وجدنا عملية إنتاجية تمت بواسطة عنصرين فقط يصير لكل عنصر نصف الإنتاج ، وإذا تمت بثلاثة عناصر يصير لكل عنصر ثلث الإنتاج … وهكذا.

و بتطبيق هذه القاعـدة الطبيعية على الواقع القديـم و المعاصر نجد الآتي :
في مرحلة الإنتاج اليدوي تتكون عملية الإنتاج من مواد خام و إنسان منتــج، ثم دخلت وسيلة إنتاج فـي الوسط بحيث استخدمها الإنسان في عملية الإنتاج ، و يعتبر الحيوان نموذجاً لها كوحدة قوة ، ثم تطورت هذه الوسيلة و حلت الآلة محـل الحيوان، و تطورت أنواع وكميات المواد الخام من مواد بسيطة رخيصة إلى مواد مركبة وثمينة للغايــــــــة . و تطــور أيضاً الإنســان من عامـل عـادي إلى مهـــنـدس  و فني ، و من أعداد غفيرة من العاملين إلى نفر قليل من الفنيين . بيد أن عناصر الإنتاج و إن تغيرت كيفياً و كمياً لم تتغير في جوهرها من حيث دور كل واحد منها في عملية الإنتاج و ضرورته ، فخام الحديد مثلاً الذي هو أحد عناصر الإنتاج قديماً و حديثاً كان يصنع بطريقة بدائية ينتج منه الحداد يدوياً سكيناً أو فأساً أو رمحاً … إلخ … و الآن نفس خام الحديد يصنع بواسطة أفران عالية ينتج منه المهندسون و الفنيون الآلات و المحركات و المركبات بأنواعها المختلفــة . و الحيوان الذي هو الحصـان أو البغـل أو الجمـل و ما في حكمها ، و الذي كان أحد عناصر الإنتاج ، حل محله الآن المصنع الضخم و الآلات الجبارة . و المواد المنتجة التي كانت أدوات بدائية أصبحـت الآن معـدات فنيـــة معقـدة .

 و مع هـذا فعوامل الإنتـاج الطبيعيـة الأساســية ثابتة جوهرياً برغم تطورها الهائل ، و هذا الثبات الجوهري لعناصر الإنتاج يجعل القاعدة الطبيعية هي القاعدة السليمة التي لا مفر من العودة إليها في حل المشكل الاقتصادي حلاً نهائياً ، و ذلك بعد فشل كل المحاولات التاريخية السابقة التي تجاهلت القواعد الطبيعية .
إن النظريات التاريخية السابقة عالجت المشكل الاقتصادي من زاوية ملكية الرقبة لأحد عناصر الإنتاج فقط، و من زاوية الأجور مقابل الإنتاج فقط ، و لم تحل المشكلة الحقيقية و هي مشكلة الإنتــاج نفسه.
( وهكذا كان أهم خصائص الأنظمـة الاقتصاديــة السائدة الآن في العالم هو نظام الأجور الذي يجرد العامل من أي حق في المنتجات التي ينتجها ، سواء أكان الإنتاج لحساب المجتمع أم لحساب منشأة خاصة ) .

إن المنشأة الصناعية الإنتاجية قائمة من مواد إنتاج و آلات المصنع و عمال ، و يتولد الإنتاج من استخدام آلات المصنع بواسطة العمال في تصنيع المواد الأولية… و هكذا فالمواد المصنعة الجاهزة للاستعمال و الاستهلاك مرت بعملية إنتاجية ما كانت لتحصل لولا المواد الخام و المصنع و العمال ، بحيث لو استبعدنا المواد الأولية ، لما وجد المصنع ما يصنعه . و لو استبعدنا المصنع لما تصنعت المواد الخــــام . و لو استبعدنا المنتجين لما اشتغل المصنع . و هكذا فالعناصر التي هي ثلاثة في هذه العملية متساوية الضرورة في عملية الإنتاج و بدونها -هي الثلاثة- لما حصل إنتاج ، و أي واحد منها لا يستطيع القيام بهذه العملية الإنتاجية بمفرده ، كمـا أن أي اثنين من هذه العناصـر الثلاثة في مثـل هـذه العمليـة لا يســتطيعان القيـام بالإنتاج في غياب العنصر الثالث . و القاعدة الطبيعية في هذه الحالة تحتم تساوي حصص هذه العوامل الثلاثة في الإنتاج ، أي أن إنتاج مثل هذا المصنع يقسم إلى ثلاث حصص ، و لكل عنصر من عناصر الإنتاج حصة ، فليس المهم المصنع فقط . و لكن المهم من يستهلك إنتاج المصنع.
كذلك العمليـة الإنتاجيـة الزراعية التي تتم بفعل الإنسان و الأرض دون استخدام وسيلة ثالثة ، هي مثل العملية الإنتاجيـة الصناعيـة اليدوية تماماً ، فالإنتاج في مثل هذه الحالة يقسم إلى حصتين فقط بعدد عوامل الإنتاج . أما إذا استخدمت وسيلة آلية أو ما في حكمها للزراعة … فالإنتاج هنا يقسم إلى ثلاث حصص : الأرض و الزارع ، و الآلة التي استخدمها في عملية الزراعة .

هكذا يقام نظام اشتراكي تخضع له كل العمليات الإنتاجية قياساً على هذه القاعدة الطبيعية.
إن المنتجين هم العمال ، و قد سمـوا هكذا لأن كلمة العمـال أو الشغيلـة أو الكادحيـن لم تعد حقيقـة ، و السبب هو أن العمال حسب التعريف التقليدي آخذون في التغير كميا و كيفيا ، و أن طبقة العمال في تناقص مستمر، يتناسب طرديـاً مع تطـور الآلات و العلــــــم .
إن الجهد الذي كان يلزم لإحداثه عدد من العمال ، أصبح الآن يحدث بفعل حركة الآلة . و تشغيل الآلة يتطلب أقل عدد من المشغلين ، و هذا هو التغير الكمي للقوة العاملة . كما أن الآلة استلزمت قدرة فنية بدل القدرة العضلية ، و هـذا هو التغير الكيفـي في القوة العاملــــــة .

إن قوة منتجة فحسب أصبحت أحد عناصر الإنتاج، وقد تحولت الشغيلة بفعل التطور من الأعداد الغفيرة الكادحة الجاهلة إلى أعداد محدودة من فنيين ومهندسين وعلماء . ونتيجة لذلك فإن نقابات العمال ستختفي وتحل محلهـا نقابات المهندسين والفنيين، إذ إن التطور العلمي هو مكسب للإنسانيـة لا يمكن العودة عنه ، وإن الأمية مقضي عليها بحكم هذا التطور ، وإن الشغيلة العادية ظاهرة مؤقتة آخذة في الاختفاء تدريجياً أمام التطور العلمي . بيد أن الإنسان بشكله الجديد سيبقى دائماً عنصراً أساسياً في عملية الإنتاج.

الحاجـة : إن حرية الإنسان ناقصـة إذا تحكم آخر في حاجته ، فالحاجة قد تؤدي إلى استعباد إنسان لإنسان ، و الاستغلال سببه الحاجــــة . فالحاجـة مشكـل حقـيـقي ، و الصراع ينشأ من تحكم جهة ما في حاجات الإنسان.


المسكن : حاجة ضرورية للفرد و الأســرة ، فلا ينبغي أن يكون ملكاً لغيره . لا حرية لإنسان يعيش في مسكن غيره بأجـرة أو بدونهــا . أن المحاولات التي تبذلها الدول من أجل معالجة مشكلة المسكن ليست حلاً على الإطلاق لهذه المشكلة ، و السبب هو أن تلك المحاولات لا تستهدف الحل الجذري و النهائي ، و هو ضرورة أن يملك الإنسان مسكنه ، بل استهدفت الأجرة من حيث خفضها أو زيادتها و تقنينها ، سواء أكانت هذه الأجرة لحساب خاص أم عام . فلا يجوز في المجتمع الاشتراكي أن تتحكم أي جهة في حاجة الإنسان ، بمن فيها المجتمع نفسه . فلا يحق لأحد أن يبني مسكناً زائداً عن سكناه و سكن ورثته بغرض تأجـيره ، لأن المسكـن هو عبارة عن حاجة لإنسان آخر ، و بناؤه بقصد تأجيره هو شروع في التحكم في حاجة ذلك الإنسان . و في الحاجة تكمن الحرية .


المعاش : حاجة ماسة جداً للإنسان ، فلا يجوز أن يكون معاش أي إنسان في المجتمع أجرة من أي جهة أو صدقة من أحد ، فلا أجراء في المجتمع الاشتراكي بل شركاء . فمعاشك هو ملكية خاصة لك تديرها بنفسك في حدود إشباع حاجاتك ، أو يكون حصة في إنتاج أنت أحد عناصره الأساسية ، و ليس أجرة مقابل إنتاج لأي كان .


المركوب : حاجة ضرورية أيضاً للفرد و الأسـرة ، فلا ينبغـي أن يكون مركوبـــك ملكـاً لغيـرك . فلا يحـق فـي المجتمع الاشتراكـي لإنسان أو جهة أخرى أن تمتلك وسائل ركوب شخصية بغرض تأجيرها لأن ذلك تحكم في حاجة الآخرين .

 

الأرض : الأرض ليست ملكاً لأحد. و لكن يحق لكل واحد استغلالها للانتفاع بها شغلاً و زراعة و رعياً مدى حياته و حياة ورثته في حدود جهده الخاص دون استخدام غيره بأجر أو بدونه ، و في حـدود إشبـاع حاجاته . إنه لو جاز امتلاك الأرض لما وجد غير الحاضرين نصيبهم فيها ، و إن الأرض ثابتة ، و المنتفعين بها يتغيرون بمرور الزمن مهنـة و قـدرة و وجـوداً .


إن غاية المجتمع الاشتراكي الجديد هي تكوين مجتمع سعيد لأنه حر ، و هذا لا يتحقق إلا بإشباع الحاجات المادية و المعنوية للإنسان ، و ذلك بتحرير هذه الحاجات من سيطرة الغير و تحكمه فيها.
إن إشباع الحاجات ينبغي أن يتم دون استغلال أو استعباد الغير ، و إلا تناقض مع غاية المجتمع الاشتراكي الجديـد . فالإنسان في المجتمع الجديد ، إما أن يعمل لنفسه لضمان حاجاته المادية ، و إما أن يعمل لمؤسسة اشتراكية يكون شريكاً في إنتاجها ، أو أن يقوم بخدمة عامة للمجتمع ، و يضمـن لـه المجتمـع حاجاته المادية .
إن النشاط الاقتصادي في المجتمع الاشتراكي الجديد هو : نشاط إنتاجي من أجل إشباع الحاجات المادية ، و ليس نشاطاً غير إنتاجي أو نشاطاً يبحث عن الربح من أجل الادخـار الزائـد عن إشبـاع تلك الحاجات . إن ذلك لا إمكانية له بحكم القواعد الاشتراكية الجديدة .
إن الغاية المشروعة للنشاط الاقتصادي للأفراد هي إشباع حاجاتهم فقط ، إذ إن ثروة العالم محـدودة علــى الأقـــــــل في كل مرحلـــة … و كذلك ثــروة كــــــل مجتـمــع على حده ، و لهذا لا يحق لأي فرد القيام بنشاط اقتصادي بغرض الاستحواذ على كمية من تلك الثروة أكثر من إشباع حاجاته ، لان المقدار الزائد عـن حاجاتـه هـو حق للأفراد الآخرين . و لكن يحق له الادخار من حاجاته من إنتاجه الذاتي و ليس من جهد الغير و لا على حساب حاجات الغير . لأنه لو جاز القيام بنشاط اقتصادي أكثر من إشباع الحاجات لحاز إنسان أكثر من حاجاته ، و لحرم غيره من الحصول على حاجاته .
إن الادخـار الزائـد عن الحاجـة هو حاجـة إنسـان آخر من ثروة المجتمع .
إن إباحـة الإنتاج الخاص للحصـول على ادخـار فـوق إشباع الحاجــات ، و إباحــة استخـدام الغير لإشبــاع حاجاتك ، أو استـخدامــه للحصــول علـى مــا هو فـــــــوق حاجاتك … أي تسخير إنسان لإشباع حاجات غيره و تحقيق ادخار لغيره على حساب حاجاته هو عين الاستغلال .
إن العمل مقابل أجرة ، إضافة إلى كونه عبودية للإنسان كما أسلفنا ، هو عمل بدون بواعث على العمل لأن المنتج فيه أجير و ليس شريكاً .
إن الذي يعمل لنفسه مخلص في عمله الإنتاجي دون شك ، لأن باعثه على الإخلاص في الإنتاج هو اعتماده على عمله الخاص لإشباع حاجاته المادية . و الذي يعمل في مؤسسة اشتراكية ، هو شريك في إنتاجها ، مخلص في عمله الإنتاجي دون شك ، لأن باعثه على الإخلاص في الإنتاج هو حصوله على إشباع حاجاته من ذلك الإنتاج ، أما الذي يعمل مقابل أجرة فليس له باعث على العمل .

إن العمل بالأجرة يواجه عجزاً في حل مشكلة زيادة الإنتاج وتطويره، وسواء أكان خدمات أم إنتاجاً فإنه يواجه تدهوراً مستمراً لأنه قائم على أكتاف الأجراء.
أمثلة على العمل الأجير لحساب المجتمع ، والعمل الأجير لحساب خاص ، والعمل بدون أجرة .

المثال الأول:
(أ) عامل ينتج (10) تفاحات لحساب المجتمع، ويمنحه المجتمع تفاحة واحدة مقابل إنتاجه، وهي ما تشبع حاجته تماماً.
(ب) عامل ينتج (10) تفاحات لحساب المجتمع، ويعطيه المجتمع تفاحة واحدة مقابل إنتاجه وهي أقل من إشباع حاجاته.

 

المثال الثاني :
عامل ينتج (10) تفاحات لحساب فرد آخر، ويتقاضى أجراً يقل عن ثمن تفاحة واحدة .

المثال الثالث :
عامل ينتج (10) تفاحات لنفسه.

النتيجة:
الأول (أ) لن يزيد من إنتاجه لأنه مهما زاد فلن يناله شخصياً منه إلا تفاحة واحدة وهو ما يشبع حاجاته . و هكذا فكل القوى العاملة لحساب المجتمع متقاعسة باستمرار نفسياً - تلقائياً .
الأول (ب) ليس له دافع للإنتاج ذاته لأنه ينتج للمجتمع دون أن يحصل على إشباع حاجاته ، و لكنـه يستمـر فـي العمل بدون دافـــــع ، لأنـــه مضطـــــر إلـى الرضـــوخ

لظروف العمل العام في كل المجتمع . و تلك حالة كل أفراده .
الثاني : لا يعمل لينتج أصلا ، و لكنه يعمل ليحصل على أجرة ، و حيث إن أجرته أقل من الحصول على حاجته، فهو إما أن يبحث عن سيد آخر يبيع له عمله بثمن أفضل من الأول ، و إما أن يضطر إلى الاستمرار في العمل ليبقى على قيد الحياة .
أما الثالث: فهو الوحيد الذي ينتج دون تقاعس ، دون إجبار . و حيث إن المجتمع الاشتراكي ليس فيه إمكانية لإنتاج فردي فوق إشباع الحاجات الفردية على حساب أو بواسطة الغير ، و إن المؤسسات الاشتراكية تعمل لإشباع حاجات المجتمع . إذن ، المثال الثالث يوضح الوضعية السليمة للإنتاج الاقـتصادي ، بيـد أنه فـي كل الحــالات -

حتى السيئة منها - يستمر الإنتاج من أجـل البقاء . و ليس أدل على ذلك من أن الإنتاج في المجتمعات الرأسمالية يتراكم و يتضخم في يد المالكين القلة و الذين لا يعملون ولكن يستغلون جهد الكادحين الذين يضطرون إلى الإنتـاج ليعيشــوا .إلا أنّ الكتاب الأخضر لا يحل مشكلة الإنتاج المادي فقط بل يرسم طريق الحل الشامل لمشكلات المجتمع الإنساني ليتحرر الفرد مادياً ومعنوياً تحرراً نهائياً لتتحقق سعادته .
أمثلة أخرى :
- إذا افترضنا أن ثروة المجتمع هي (10) وحدات وعدد سكانه (10) فإن نصيب كل فرد من ثروة المجتمع هو 10\10 = واحدة فقط من وحــدات الثـروة . و لكن إذا وجــد أن عــددا من أفراد المجتمـع يملك أكثـر من وحـدة من الوحـــدات . إذن ، عــدد آخـــر مـــن ذات المجتمع لا يملك منها شيئاً ، و السبب هو أن نصيبه من وحدات الثروة استحوذ عليه الآخرون … و لهذا يوجد أغنياء و فقراء في المجتمع الاستغلالي .
و لنفرض أن خمسة من هذا المجتمع وجدنا كل واحد منهم يملك وحدتين ، إذن هناك خمسة آخرون منه لا يملكون شيئاً ، أي 50 % محرومون من حقهم في ثروتهم . ذلك لأن الوحدة الإضافية التي يمتلكها كل واحد من الخمسة الأولى هي نصيب الخمسة الثانية .
وإذا كان ما يحتاج إليه الفرد في هذ المجتمع لإشباع حاجاته هو وحدة فقط من وحدات ثروة المجتمع ، فإن الفرد الذي يملك أكثر من وحدة من تلك الوحدات هو مسئول في حقيقة الأمر على حق لأفراد المجتمع الآخرين . و حيث إن هذه الحصة هي فوق ما يحتــاج إليه لإشـباع حاجاتـه المقــــــدرة بوحدة واحدة من وحدات الثروة، إذن هو يستولي عليها لأجل الاكتناز، وهذا الاكتناز لا يتحقق له إلا على حساب حاجة الغير، أي بالأخذ من نصيب الآخرين في هذه الثروة. وهذا هو سبب وجود الذين يكنزون ولا ينفقون أي يدخرون فوق إشباع حاجاتهم، ووجود السائلين والمحرومين أي الذين يسألون عن حقهم في ثروة مجتمعهم ولا يجدون ما يستهلكون . أنها عملية نهب وسرقة، ولكنها علنية ومشروعة حسب القواعد الظالمة الاستغلالية التي تحكم ذلك المجتمع .
أما ما وراء إشباع الحاجات فهو يبقى أخيراً ملكاً لكل أفراد المجتمع ، أما الأفراد فلهم أن يدخروا ما يشاءون من حاجتهم فقط ،إذإن الاكتناز فوق الحاجات هو تعد على ثروة عامة .

إن المجدين والحذاق ليس لهم حق في الاستيلاء على نصيب الغير نتيجة جدهم و حذقهم ، و لكنهم يستطيعون أن يستفيدوا من تلك المزايا في إشباع حاجاتهم والادخار من تلك الحاجات . كما أن العاجزين و البلهاء و المعتوهين لا يعني حالهم هذا أن ليس لهم نفس النصيب الذي للأصحاء في ثروة المجتمع . إن ثروة المجتمع تشبه مؤسسة تموين ، أو مخزن تموين يقدم يومياً لعدد من الناس مقداراً من التموين بوزن محدد يكفي لإشباع حاجة أولئك الناس في اليوم ، و لكل فرد أن يدخر من ذلك المقدار ما يريد ، أي له أن يستهلك ما يشاء ويدخر ما يشاء من حصته ، وفي هذا يستغل قدراته الذاتية وحذقه . أما الذي يستغل تلك المواهب ليتمكن من الأخذ من مخزن التموين العام ليضيفه إلى نفسه فهو سارق مـا في ذلك شـك . و هكذا ، فالذي يستخدم حذقه ليكسب ثروة أكثر من إشباع حاجاته هو في الواقع معتد على حق عام و هو ثروة المجتمع التي هي مثل المخزن المذكور في هذا المثال .
و لا يجوز التفاوت في ثروة الأفراد في المجتمع الاشتراكـي الجديد إلا للذين يقومون بخدمة عامة و يخصص لهم المجتمـع نصيبـاً معينـاً من الثروة مساوياً لتلك الخدمة … إن نصيب الأفراد لا يتفاوت إلا بمقدار ما يقدم كل منهم من خدمة عامة أكثر من غيره ، و بقدر ما ينتج أكثر من غيره.
و هكذا أنتجت التجارب التاريخية تجربة جديدة كتتويج نهائي لكفاح الإنسـان من أجـل استكمال حريته و تحقيـق سعادته بإشبـاع حاجاتـه و دفـع استغــلال غيـره لـه ،و وضع حد نهائي للطغيان ، و إيجاد طريقة لتوزيع ثروة المجتمع توزيعاً عادلاً حيث تعمل بنفسك لإشباع حاجاتك ، لا أن تسخر الغير ليعمل لحسابك لتشبع على حسابه حاجاتك ، أو أن تعمل من أجل سلب حاجات الآخرين .
إنها نظرية تحرير الحاجات ليتحرر الإنسان .
وهكذا فالمجتمع الاشتراكي الجديد هو نتيجة جدلية لا غير للعلاقات الظالمة السائدة في العالم ، والتي ولدت الحل الطبيعي وهو ملكية خاصة لإشباع الحاجات دون استخدام الغير، وملكية اشتراكية ، المنتجون فيها شركاء في إنتاجها تحل محل الملكية الخاصة التي تقوم على إنتاج الأجراء دون حق لهم في الإنتاج الذي ينتجونه فيها.

أن الذي يمتلك المسكن الذي تسكنه ، أو المركوب الذي تركبه ، أو المعاش الذي تعيش به يمتلك حريتك أو جزءاً من حريتك ، والحرية لا تتجزأ، و لكي يكون الإنسان سعيداً لابد أن يكون حراً، و لكي يكون حراً لابد من أن يملك حاجاته بنفسه .
إن الذي يمتلك حاجتك يتحكم فيك أو يستغلك ، و قد يستعبدك برغم أي تشريع قد يحرم ذلك .
إن الحاجات المادية الضرورية الماسة والشخصية للإنسان ، تبدأ من الملبس والطعام حتى المركوب ، و المسكن ، لابد أن يملكها الإنسان ملكية خاصة ومقدسة ، ولا يجوز أن تكون مؤجرة من أي جهة. وإن الحصول عليها مقابل أجرة تجعـل مالكهـا الحقيقي يتدخـل فــي حياتك الخاصة ويتحكـم فـي حاجاتـك الماســـــة ، حتــى و لـو كـان المجتمع بصورة عامة ، فيتحكم في حريتك و يفقدك سعادتك ، كما يتدخل صاحب الملابس التي تؤجرها منه لخلعها منك ربما في الشارع ليتركك عارياً ، يتدخل أيضاً صاحب المركوب ليتركك على قارعة الطريق . و يتدخل كذلك صاحب المسكن ليتركك بلا مأوى.
إن الحاجـات الضروريـة للإنسان من السخرية معالجتها بإجراءات قانونية أو إدارية أو ما إليها ، و إنما يؤسس عليها المجتمع جذريـاً وفق قواعــد طبيعية .
أن هـدف المجتمـع الاشتراكي هو سعادة الإنسان التي لا تكون إلا في ظل الحرية المادية و المعنوية . و تحقيق الحرية يتوقف على مدى امتلاك الإنسان لحاجاته امتلاكاً شخصياً و مضموناً ضماناً مقدساً .. أي أن حاجتك ينبغي ألاّ تكون ملكاً لغيرك ، و ألاّ تكــون عرضـة للسلـب منك من أي جهـــة في المجتمع ، وإلا عشت في قلق يذهب سعادتك ويجعلك غير حر لأنك عائش في ظل توقعات تدخل خارجي في حاجاتك الضرورية.
أما قلب المجتمعات المعاصرة من مجتمعات الأجراء إلى مجتمعات الشركاء فهو حتمي كنتاج جدلي للأطروحات الاقتصادية المتناقضة السائدة في العالم اليوم ، و نتيجة جدلية حتمية للعلاقات الظالمة و التي أساسها نظام الأجرة والتي لم تحل بعد .
إن القوة التهديدية لنقابات العمال في العـالم الرأسمالي كفيلة بقلب المجتمعات الرأسمالية من مجتمعات أجراء إلى مجتمعات شركاء .
إن احتمـال قيـام الثـورة لتحقيـق الاشتراكيـة يبـــدأ باستيــلاء المنتجيــــن علـــى حصتهم من الإنتاج الذي ينتجونه . و سيتحـول غرض الإضرابات العمالية من مطلب زيادة الأجور إلى مطلب المشاركة في الإنتاج ، و سيتم كل ذلك عاجلاً أم آجلاً بالاهتداء بالكتاب الأخضر .
أما الخطوة النهائية فهي وصول المجتمع الاشتراكي الجديد إلى مرحلة اختفاء الربح و النقود ، و ذلك بتحويل المجتمع إلى مجتمع إنتاجي بالكامل و بلوغ الإنتاج درجة إشباع الحاجات المادية لأفراد المجتمع، و في هذه المرحلة النهائية يختفي الربح تلقائيا و تنعــدم الحاجات للنقود .
أن الاعتراف بالربح هو اعتراف بالاستغلال ، إذ إن مجرد الاعتراف به لا يجعل له حداً يقف عنده . أما إجراءات الحد منه بالوسائل المختلفة فهي محاولات إصلاحية و غيـر جذرية لمنع استغلال إنسان لإنسان .

أن الحل النهائي هو إلغاء الربح . ولكن الربح هو محرك للعملية الاقتصادية .ولهذا فإلغاء الربح ليس مسألة قرار. بل ، هو نتيجة تطور للإنتاج الاشتراكي تتحقق إذا تحقق الإشباع المادي لحاجات المجتمع والأفراد . إن العمل من أجل زيادة الربح هو الذي يؤدي إلى اختفاء الربح في النهاية .

 


خدم المنازل : خدم المنازل سواء أكانوا بأجر أم بدونه ، هم إحدى حالات الرقيق، بل هم رقيق العصر الحديث. وحيث إن المجتمع الاشتراكي الجديد يقوم على أساس المشاركة في الإنتاج وليس على الأجور ، فإن خدم المنازل لا تنطبق عليهم القواعد الاشتراكية الطبيعية ، لأنهم يقومون بخدمات لا بإنتاج والخدمات ليس لها إنتاج مادي يقبل القسمة إلى حصص وفقاً للقاعدة الاشتراكيـــة الطبيعيـــة ، ولهـذا فليس لخدم المنازل إلا العمل مقابل أجر، أو العمل بدونه في الظروف السيئة . و حيث إن الأجراء هم نوع من العبيد و عبوديتهم قائمة بقيام عملهم مقابل أجر ، وحيث إن خدم المنازل هم في درجة أسفل من الأجراء في المنشآت والمؤسسات الاقتصادية خارج المنازل ، فهم أولى بالانعتاق من عبودية مجتمع الأجراء مجتمع العبيد . فظاهرة خدم المنازل هي إحدى الظواهر الاجتماعية التي تلي ظاهرة الرقيق . و النظرية العالمية الثالثة هي بشير للجماهير بالخلاص النهائي من كل قيود الظلم و الاستبداد و الاستغلال والهيمنة السياسية والاقتصادية بقصد قيام مجتمع كل الناس … كل الناس فيه أحرار حيث يتساوون في السلطة والثروة والسلاح لكي تنتصر الحرية الانتصــــار النهائـي و الكامـــل .

لذا فإن الكتاب الأخضر يرسم طريق الخلاص أمام الجماهير من أجراء و خدم منازل لتتحقق حرية الإنسان . لهذا لا مناص من الكفاح لتحرير خدم المنازل من وضعية الرق التي هم فيها ، وتحويلهم إلى شركاء خارج المنازل حيث الإنتـاج المادي القابل للقسمة إلى حصص حسب عوامله … فالمنزل يخدمه أهله . أما حل الخدمة المنزلية الضرورية فلا تكون بخدم. بأجر أو بـدون أجـر، و إنما تكـون بموظفيـن قابلين للترقيـة أثنـاء أداء و ظيفتهـم المنزليـة ، و لهم الضمانات الاجتماعية و المادية كأي موظف في خدمة عامة .