حل المشكل الإقتصادي "
الإشتراكية " الركن
الإقتصادي للنظرية العالمية الثالثة |
|
بالرغم من أن تطورات تاريخية هامة قـد حدثت على طريق حل مشكلة العمل و أجرة العمل ،أي العلاقـة بين العمال .. و أصحاب العمل ، بين المالكين والمنتجين ، منهـا تحديد ساعات العمـل ، و أجرة العمل الإضافي و الإجازات المختلفة ، والاعتـراف بحد أدنى للأجـور،ومشــاركة العمال في الأرباح والإدارة،ومنع الفصل التعسفي، والضمان الاجتماعي، وحـق الإضراب، وكل ما حوته قوانـين العمل التي لا يكاد يخـلو تشريع معاصر منها. وحدثت أيضاً تحولات لا تقل أهمية عن تـلك في جانب الملكية من حيـث ظهور أنظمة تحـد من الدخـل، وأنـظمة تحرم الملكية الخاصة وتـسنـدها للحكومة . برغـم كل هـذه التطورات التي لا يستهان بهـا في تاريخ المشكل الاقتصادي إلا أن المشكلة مازالت قائـمة جـذرياً مـع كـل التــقليـمات والتحسـينات والتهذيـبات والإجـراءات والتـطورات التـي طرأت عليها والتـي جعلتها أقل حدة مـن القرون الماضــية، وحقـقت مصالح كثيرة للعامـلين ، إلا أن المشكل الاقتصـــادي لم يحل بعـد في العالم ، فالمحــاولات التي انصبــــــــت علـى المـــلكية لم تحل مشكلة المنتجين ،فلا يزالون أجراء برغم انتقال أوضاع الملكية من أقصى اليميــن إلى أقصى اليسـار واتخـاذها عدة أوضاع في الوسط بيـن اليسار و اليمين. والمحاولات الــتي انصبت على الأجرة لا تقل بعداً في هذا الجانب عن المحاولات التي أنصبت على الملكية ونقلتها من وضع إلى وضع . وفي مجمل معالجة قضية الأجرة هو المزايا التي حصل عليها العاملون وضمنتها التشريعات وحمتــها النقابات ، حيث تبدلت الحالة السيـئة التي كان عليـها المنـتجون غــداة الانقلاب الصناعي ، واكــتسب العمـال والفنيون والإداريون حقوقاً مع مرور الزمن كانت بعيدة المنال . ولكن فــي واقع الأمر فإن المشكل الاقتصادي مازال قائمـاً .
|
إن
المحاولة التي انصبت على الأجور ليست حلاً
على الإطلاق ، وإنما هي محاولة تلفيقية
وإصلاحية أقرب إلى الإحسان منها إلى
الاعتراف بحق للعاملين. لماذا يعطى
العاملون أجرة : لأنهم قاموا بعملية إنتاج
لصالح الغير الذي استأجرهم لينتجوا له
إنتاجاً إذن ، هم لم يستهلكوا إنتاجهم ، بل
اضطروا إلى التنازل عنه مقابل أجرة ، و
القاعدة السليمة هي : فـالعاملون
من حيث علاقتهم بالمالك أو بالمنشـأة
الإنتاجية ، من حيث مصالحهم الخـاصة واحدة
.. فهم أجراء في كل الحالات الموجودة الآن
في العالم، برغم أن أوضاع الملكية مختلفة
من اليمين إلى اليسار . حتى المنشأة
الاقتصادية العامة لا تعطي لعمالها إلا
أجورا ومساعدات اجتماعية أخرى أشبه
بالإحسان الذي يتفضل به الأغنياء أصحاب
المؤسسات الاقتصادية الخاصة على العاملين
معهم . وهكذا
فإن التطور الذي طرأ على الملكية من حيث
نقلها من يد إلى يد لم يحل مشكلـة حق
العامل في الإنتـاج ذاتـه الذي ينتجه
مباشـرة ، و ليس عن طريق المجتمــــــع أو
مقابل أجـرة ، و الدليــــل على ذلــــــك
هو أن المنتجين لايزالون أجراء برغم تبدل
أوضاع الملكية. إن القواعد الطبيعيـة هـي المقيـاس و المرجع و المصدر الوحيد في العلاقات الإنسانية .إن القواعد الطبيعية أنتجت اشتراكية طبيعية قائمة على المساواة بين عناصر الإنتاج الاقتصادي ، و حققت استهلاكاً متساويــاً تقريباً لإنتـاج الطبيعـة بيـن الأفراد . أما عمليات استغلال إنسان لإنسان ، و استحواذ فرد على أكثر من حاجته من الثروة ، فهـي ظاهـرة الخروج عن القاعدة الطبيعية و بداية فساد و انحراف حياة الجماعة البشرية ، و هي بداية ظهور مجتمع الاستغلال . وإذا حللنا عوامل الإنتاج الاقتصادي منذ القدم و حتى الآن ، و دائماً، نجدها تتكون حتماً من عناصر إنتاج أساسية ، وهي مواد إنتاج، و وسيلة إنتاج ، ومنتج . و القاعـدة الطبيعية للمساواة هي : أن لكل عنصر من عناصر الإنتاج حصة في هذا الإنتاج ، لأنه إذا سُحب واحد منها لا يحدث إنتاج ، ولكل عنصر دور أساسي في عملية الإنتاج، و بدونه يتوقف الإنتاج . وما دام كل عنصر من هذه العناصر ضرورياً و أساسياً، إذن هي متساوية في ضرورتها في العملية الإنتاجية ، و لابد أن تتساوى في حقها في الإنتاج الذي أنتجته ، و طغيان أحدها على الآخر هو تصادم مع القاعدة الطبيعية للمساواة ، و تعدٍ على حـــــــــــق الغير، إذن ، لكل عنصـر حصة بغض النظر عن هذه العناصر ، فإذا وجدنا عملية إنتاجية تمت بواسطة عنصرين فقط يصير لكل عنصر نصف الإنتاج ، وإذا تمت بثلاثة عناصر يصير لكل عنصر ثلث الإنتاج … وهكذا. و
بتطبيق هذه القاعـدة الطبيعية على الواقع
القديـم و المعاصر نجد الآتي : و
مع هـذا فعوامل الإنتـاج الطبيعيـة
الأساســية ثابتة جوهرياً برغم تطورها
الهائل ، و هذا الثبات الجوهري لعناصر
الإنتاج يجعل القاعدة الطبيعية هي
القاعدة السليمة التي لا مفر من العودة
إليها في حل المشكل الاقتصادي حلاً
نهائياً ، و ذلك بعد فشل كل المحاولات
التاريخية السابقة التي تجاهلت القواعد
الطبيعية . إن
المنشأة الصناعية الإنتاجية قائمة من
مواد إنتاج و آلات المصنع و عمال ، و يتولد
الإنتاج من استخدام آلات المصنع بواسطة
العمال في تصنيع المواد الأولية… و هكذا
فالمواد المصنعة الجاهزة للاستعمال و
الاستهلاك مرت بعملية إنتاجية ما كانت
لتحصل لولا المواد الخام و المصنع و
العمال ، بحيث لو استبعدنا المواد الأولية
، لما وجد المصنع ما يصنعه . و لو استبعدنا
المصنع لما تصنعت المواد الخــــام . و لو
استبعدنا المنتجين لما اشتغل المصنع . و
هكذا فالعناصر التي هي ثلاثة في هذه
العملية متساوية الضرورة في عملية
الإنتاج و بدونها -هي الثلاثة- لما حصل
إنتاج ، و أي واحد منها لا يستطيع القيام
بهذه العملية الإنتاجية بمفرده ، كمـا أن
أي اثنين من هذه العناصـر الثلاثة في مثـل
هـذه العمليـة لا يســتطيعان القيـام
بالإنتاج في غياب العنصر الثالث . و القاعدة الطبيعية في هذه
الحالة تحتم تساوي حصص هذه العوامل
الثلاثة في الإنتاج ، أي أن إنتاج مثل هذا
المصنع يقسم إلى ثلاث حصص ، و لكل عنصر من
عناصر الإنتاج حصة ، فليس المهم المصنع
فقط . و لكن المهم من يستهلك إنتاج المصنع. هكذا
يقام نظام اشتراكي تخضع له كل العمليات
الإنتاجية قياساً على هذه القاعدة
الطبيعية. إن قوة منتجة فحسب أصبحت أحد عناصر الإنتاج، وقد تحولت الشغيلة بفعل التطور من الأعداد الغفيرة الكادحة الجاهلة إلى أعداد محدودة من فنيين ومهندسين وعلماء . ونتيجة لذلك فإن نقابات العمال ستختفي وتحل محلهـا نقابات المهندسين والفنيين، إذ إن التطور العلمي هو مكسب للإنسانيـة لا يمكن العودة عنه ، وإن الأمية مقضي عليها بحكم هذا التطور ، وإن الشغيلة العادية ظاهرة مؤقتة آخذة في الاختفاء تدريجياً أمام التطور العلمي . بيد أن الإنسان بشكله الجديد سيبقى دائماً عنصراً أساسياً في عملية الإنتاج. |
الحاجـة : إن حرية الإنسان ناقصـة إذا تحكم آخر في حاجته ، فالحاجة قد تؤدي إلى استعباد إنسان لإنسان ، و الاستغلال سببه الحاجــــة . فالحاجـة مشكـل حقـيـقي ، و الصراع ينشأ من تحكم جهة ما في حاجات الإنسان. |
المسكن : حاجة ضرورية للفرد و الأســرة ، فلا ينبغي أن يكون ملكاً لغيره . لا حرية لإنسان يعيش في مسكن غيره بأجـرة أو بدونهــا . أن المحاولات التي تبذلها الدول من أجل معالجة مشكلة المسكن ليست حلاً على الإطلاق لهذه المشكلة ، و السبب هو أن تلك المحاولات لا تستهدف الحل الجذري و النهائي ، و هو ضرورة أن يملك الإنسان مسكنه ، بل استهدفت الأجرة من حيث خفضها أو زيادتها و تقنينها ، سواء أكانت هذه الأجرة لحساب خاص أم عام . فلا يجوز في المجتمع الاشتراكي أن تتحكم أي جهة في حاجة الإنسان ، بمن فيها المجتمع نفسه . فلا يحق لأحد أن يبني مسكناً زائداً عن سكناه و سكن ورثته بغرض تأجـيره ، لأن المسكـن هو عبارة عن حاجة لإنسان آخر ، و بناؤه بقصد تأجيره هو شروع في التحكم في حاجة ذلك الإنسان . و في الحاجة تكمن الحرية . |
المعاش : حاجة ماسة جداً للإنسان ، فلا يجوز أن يكون معاش أي إنسان في المجتمع أجرة من أي جهة أو صدقة من أحد ، فلا أجراء في المجتمع الاشتراكي بل شركاء . فمعاشك هو ملكية خاصة لك تديرها بنفسك في حدود إشباع حاجاتك ، أو يكون حصة في إنتاج أنت أحد عناصره الأساسية ، و ليس أجرة مقابل إنتاج لأي كان . |
المركوب : حاجة ضرورية أيضاً للفرد و الأسـرة ، فلا ينبغـي أن يكون مركوبـــك ملكـاً لغيـرك . فلا يحـق فـي المجتمع الاشتراكـي لإنسان أو جهة أخرى أن تمتلك وسائل ركوب شخصية بغرض تأجيرها لأن ذلك تحكم في حاجة الآخرين . |
الأرض : الأرض ليست ملكاً لأحد. و لكن يحق لكل واحد استغلالها للانتفاع بها شغلاً و زراعة و رعياً مدى حياته و حياة ورثته في حدود جهده الخاص دون استخدام غيره بأجر أو بدونه ، و في حـدود إشبـاع حاجاته . إنه لو جاز امتلاك الأرض لما وجد غير الحاضرين نصيبهم فيها ، و إن الأرض ثابتة ، و المنتفعين بها يتغيرون بمرور الزمن مهنـة و قـدرة و وجـوداً . |
إن
غاية المجتمع الاشتراكي الجديد هي تكوين
مجتمع سعيد لأنه حر ، و هذا لا يتحقق إلا
بإشباع الحاجات المادية و المعنوية
للإنسان ، و ذلك بتحرير هذه الحاجات من
سيطرة الغير و تحكمه فيها. إن
العمل بالأجرة يواجه عجزاً في حل مشكلة
زيادة الإنتاج وتطويره، وسواء أكان خدمات
أم إنتاجاً فإنه يواجه تدهوراً مستمراً
لأنه قائم على أكتاف الأجراء. |
المثال
الأول:
|
المثال
الثاني : |
المثال
الثالث : |
النتيجة: |
لظروف
العمل العام في كل المجتمع . و تلك حالة كل
أفراده . |
حتى
السيئة منها - يستمر الإنتاج من أجـل
البقاء . و ليس أدل على ذلك من أن الإنتاج
في المجتمعات الرأسمالية يتراكم و يتضخم
في يد المالكين القلة و الذين لا يعملون
ولكن يستغلون جهد الكادحين الذين يضطرون
إلى الإنتـاج ليعيشــوا .إلا أنّ الكتاب
الأخضر لا يحل مشكلة الإنتاج المادي فقط
بل يرسم طريق الحل الشامل لمشكلات المجتمع
الإنساني ليتحرر الفرد مادياً ومعنوياً
تحرراً نهائياً لتتحقق سعادته . إن
المجدين والحذاق ليس لهم حق في الاستيلاء
على نصيب الغير نتيجة جدهم و حذقهم ، و
لكنهم يستطيعون أن يستفيدوا من تلك
المزايا في إشباع حاجاتهم والادخار من تلك
الحاجات . كما أن العاجزين و البلهاء و
المعتوهين لا يعني حالهم هذا أن ليس لهم
نفس النصيب الذي للأصحاء في ثروة المجتمع .
إن ثروة المجتمع تشبه مؤسسة تموين ، أو
مخزن تموين يقدم يومياً لعدد من الناس
مقداراً من التموين بوزن محدد يكفي لإشباع
حاجة أولئك الناس في اليوم ، و لكل فرد أن
يدخر من ذلك المقدار ما يريد ، أي له أن
يستهلك ما يشاء ويدخر ما يشاء من حصته ،
وفي هذا يستغل قدراته الذاتية وحذقه . أما
الذي يستغل تلك المواهب ليتمكن من الأخذ
من مخزن التموين العام ليضيفه إلى نفسه
فهو سارق مـا في ذلك شـك . و هكذا ، فالذي
يستخدم حذقه ليكسب ثروة أكثر من إشباع
حاجاته هو في الواقع معتد على حق عام و هو
ثروة المجتمع التي هي مثل المخزن المذكور
في هذا المثال . |
أن
الذي يمتلك المسكن الذي تسكنه ، أو
المركوب الذي تركبه ، أو المعاش الذي تعيش
به يمتلك حريتك أو جزءاً من حريتك ،
والحرية لا تتجزأ، و لكي يكون الإنسان
سعيداً لابد أن يكون حراً، و لكي يكون حراً
لابد من أن يملك حاجاته بنفسه . أن الحل النهائي هو إلغاء الربح . ولكن الربح هو محرك للعملية الاقتصادية .ولهذا فإلغاء الربح ليس مسألة قرار. بل ، هو نتيجة تطور للإنتاج الاشتراكي تتحقق إذا تحقق الإشباع المادي لحاجات المجتمع والأفراد . إن العمل من أجل زيادة الربح هو الذي يؤدي إلى اختفاء الربح في النهاية .
لذا فإن الكتاب الأخضر يرسم طريق الخلاص أمام الجماهير من أجراء و خدم منازل لتتحقق حرية الإنسان . لهذا لا مناص من الكفاح لتحرير خدم المنازل من وضعية الرق التي هم فيها ، وتحويلهم إلى شركاء خارج المنازل حيث الإنتـاج المادي القابل للقسمة إلى حصص حسب عوامله … فالمنزل يخدمه أهله . أما حل الخدمة المنزلية الضرورية فلا تكون بخدم. بأجر أو بـدون أجـر، و إنما تكـون بموظفيـن قابلين للترقيـة أثنـاء أداء و ظيفتهـم المنزليـة ، و لهم الضمانات الاجتماعية و المادية كأي موظف في خدمة عامة . |