الصراع على السلطة
صراع لا ينتهي:
ان المقولات المطروحة بالكتاب الأخضر هي مقولات جديدة وخطيرة للغاية من شأنها أن تغير المجتمع الانساني تغييرا جذريا لتخلق منه مجتمعا جديدا عادلا وتقدميا. بعد أن تدمر المجتمع المعاصر المبنى على القواعد الظالمة وأسس الاستغلال.
ان الاطروحات العملية الجديدة من شأنها أن تنهي استغلال الانسان وسرقة جهده، وترفع عنه كل الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وتحرره من قيود العلاقات الرجعية القديمة المدعومة بالقوانين الاستغلالية التي تبيح استغلال الإنسان لانسان، وتسخير انسان لمنفعة انسان اخر مستغل وأناني وغير منتج.
ولو شئنا أن نقدم صورة موجزة عن المجتمع الانساني المعاصر الذي يستهدف الكتاب الأخضر تقديم البديل العلمي المتكامل عنه، فاننا لابد أن نشير في البداية إلى أن عمليات التغيير المطلوبة لن تكون مشفوعة بالقبول والرضا التام من طرف البنية التقليدية للمجتمع بمختلف تقسيماتها. فحدوث التغيير سيكون متناسبا تناسبا عكسيا مع تماسك البنية التقليدية للمجتمع وقوة طبقاتها وفئاتها المستفيدة من الأوضاع القائمة.
فالأنظمة السياسية التقليدية حيث ينقسم المجتمع إلى قسمين: أقلية حاكمة وأكثرية محكومة، تتلاءم مع أشكال العلاقات السائدة، وتخضع لتوجيه الأقوى الذي يصب نفسه في شكل تقليدي متعارف عليه، لا يعدو احدى أدوات السلطة السياسية التقليدية مثل الحزب أو ائتلاف الأحزاب أو مجلس حاكم، أو لجنة أو طبقة أو قبيلة أو عائلة أو فرد.
ومهما تكن تلك الأداة فإنها بسيطرتها على المجتمع تقسمه اقتصاديا إلى قسمين، أقلية مستغلة تمارس السيادة، وأكثرية مسحوقة ومستغلة ومقهورة بأغلال العبودية.
فتمارس كل طبقة مهنة تناسبها، حيث يكون نصيب طبقة السادة، تلك المهن والأنشطة الاقتصادية غير المنتجة مثل السمسرة والمقاولات والتجارة وغيرها من المهن ذات الخاصية الرأسمالية والاستغلالية التي يفرزها مجتمع الاستغلال بشكل آلي في ظل اباحته لاستغلال الانسان وسرقة جهده وتسخيره لمصلحة غيره.
ويقتصر نصيب طبقة العبيد على بذل أقصى جهودها لمصلحة الذين يسخرونها مقابل أجرة تحفظها على قيد الحياة.
وينسحب هذا التقسيم الثنائي على المجتمع في جميع وجوهه ومختلف نشاطاته، حيث تقوم الأداة المهيمنة على السلطة باحتكار عناصر القوة في المجتمع لتحافظ على استمرار سيطرتها عليه فتضمن بذلك استمرار مصالحها.
ان الحاكمين والمحكومين، وأرباب العمل والعمال هم الصورة الواقعية المباشرة لتسلط الحاكمين وأرباب العمل وهيمنتهم على المجتمع المعاصر وتسخيرهم له ضد مصالح أفراده.
انهم باحتكارهم لكل عناصر القوة في المجتمع من سلطة وثروة وسلاح صار بامكانهم تسخير المجتمع كله لتحقيق مصالحهم والدفاع عنها، فاستغلالهم للعمال والفلاحين مرتبط في وجوده باستمرار استغلالهم للجنود وتسخيرهم في المحافظة على نظام الاستغلال. والدفاع عن امتيازات الطبقة المتحكمة بالجيش، وهي الطبقة التي تمتلك السلطة والثروة في المجتمع.
فالسلاح شأنه شأن السلطة والثروة في مجتمع الاستغلال محتكر هو الآخر لمصلحة الأقوياء من حكام وأرباب عمل.
أن شعور أفراد المجتمع الاستغلالي بالظلم نتيجة تسخيرهم لمصلحة الآخرين، ونتيجة اغتصاب حقوقهم في السلطة والثروة والسلاح، هو الذي سيدفعهم إلى التمرد والثورة، بشكل مستمر حتى يتمكنوا في نهاية هذا الصراع من الانتصار في تحقيق حريتهم وتدمير القيود التي كانت تكبلهم وتقهر ارادتهم، وتغتصب حقوقهم.
ان النصر نهاية المطاف محتوم لصالح الجماهير الشعبية قي ظل أوضاع صراع متأججة لا تنتهي إلا بانتصار الديمقراطية الشعبية والاشتراكية الجديدة بقيام سلطة الشعب.
ان الصراع على السلطة سينتج في نهاية المطاف المجتمع الجماهيري حتما. ولا يمكن لهذا الصراع أن يتوقف مادامت السلطة محتكرة بيد طبقة أو فئة أو عائلة أو فرد. في حين تحرم بقية الطبقات والفئات من العائلات والأفراد من حقها فيها.
ان الجماهير المحرومة من حقها في السلطة ستندفع إلى حلبة الصراع جيلا بعد جيل.. مستجيبة بشكل طبيعي مع أوضاع قائمة، أوجدها استيلاء أداة من أدوات الحكم على السلطة.. الأمر الذي يستنفر جميع الأدوات التي بقيت خارجها، فحين يصل حزب إلى السلطة، فان الأحزاب التي بقيت خارجها لا سبيل أمامها لتصل السلطة إلا أن تعارض الحزب القائم وتتآمر عليه وتحاول اسقاطه، وهو ما تفعله جميع الفئات والأفراد الذين لا يجدون مبررا لأن يحكمهم آخرون، وأن يقفوا هم خارج السلطة ليمثلوا إلى الأبد دور المكومين. فما دام هناك فرد أو جماعة تحتكر الحكم فان من حق جميع الأفراد والجماعات الأخرى أن تسعى لانتزاع السلطة والاستئثار بالحكم. وهكذا سيسمر الصراع دون توقف ولن يكتب للعالم أن يستقر اطلاقا دون أن تصل الجماهـير الشعبية إلى السلطة، وهي التي تقدم- في كل مطلع شمس- تضحياتها الجمة على درب الخلاص النهائي من أدوات الحكم الدكتاتوري. وهو ما نراه ماثلا أمامنا كل لحظة في أحداث العالم المعاصر.
وحتى تلك الأدوات السياسية الإصلاحية التي بإصلاحاتها السياسية في منتصف الطريق، لن تقف إصلاحاتها تلك، حائلا دون انهيارها على يد الجماهير الشعبية، التي تسعي لإقامة حكمها- حكم كل الناس- لينتهي بعدها الصراع على السلطة.
ان البشرية لم تصل إلى هذه المرحلة بعد، فلم تزل السلطة محتكرة بيد فرد أو جماعة من المجتمع، من مثل الملك أو الطائفة أو اللجنة السياسية أو المجلس النيابي أو المكتب السياسي أو مجلس الوزراء. مازالت السلطة محتكرة بيد حزب يسميه أصحابه حزب الشعب أو حزب التقدم.. أو حزب الكادحين.. أو الحزب الديمقراطي. ومازالت أدوات السلطة تتقاذفها بينها من اليمين إلى اليسار إلى ائتلاف الوسط واليمين إلى غير ذلك..
وبالرغم من هذه التسميات والتحالفات فإن الصراع على السلطة سيستمر ليكتسح أفضل أدوات الحكم وأسوأها دون استثناء حتى تنتصر الشعوب في كفاحها المرير بقيام الجماهيرية التي هي نظام حكم كل الشعب.
الزحف نحو السلطة:
ان الشعوب تزحف نحو السلطة بشكل دؤوب ومستمر، حيث ان جميع مظاهر الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ليست سوى تعبير مباشر عن هذا الزحف الذي لا ينتهي إلا بوصول الشعوب إلى امتلاك السلطة.
ان الثورات، والانقلابات، وعمليات التمرد. وأنواع العصيان، وكذلك المظاهرات، و الاعتصامات ومحاولات الانفصال، وجميع أشكال الرفض، هي تعبير غير كامل عن محاولة الاستيلاء على السلطة من طرف الجماهير الشعبية.
وقد يتولد عن الجماهير في زحفها أحزاب سياسية، وأعمال عنف شديدة واضطرابات واغتيالات وغير ذلك، مما يدلنا على رفضها لأداة الحكم التقليدية، فردا كانت. أم جماعة، فنهاية أدوات الحكم التقليدي أكيدة وحتمية بغض النظر عن الشكل الذي تمارس عبره نشاطها السلطوي.. من الامبراطور والملك والعائلة والقبيلة وحتى الحزب وائتلاف الأحزاب والجبهة ومجموع الجبهات، فليس لأي شكل من هذه الأشكال حظ في البقاء والاستمرار، فعصر الشعوب سيفرض نفسه عبر كفاح الجماهير الشعبية في العالم كله، الذي يزداد اشتعالا كل يوم، ولو بصورة قد لا تبدو واضحة لنا.
ولكن، ما صيرورة هذا الصراع المحتوم على السلطة؟ ان صيرورة هذا الصراع تتجه إلى تحقيق سلطة الشعب، بوصول كل الناس إلى السلطة، فيتمكنون من حكم أنفسهم بأنفسهم والغائهم لمختلف أدوات الحكم التي كانت تحكمهم.
إذ لا مبرر لأي أداة حكم في حكم الشعب. ما دام الشعب نفسه راغبا في حكم نفسه. كما لا حجة لأحد في الحكم نيابة عن الجماهير الشعبية، ما دامت الجماهير الشعبية حية ترزق، وتعيش فوق أرضها.
وليس ثمة مبرر واحد على الاطلاق، يبرر أن يخصص أحد نفسه للسلطة أو يقصرها على شخصه.
فلأي سبب يقرر شخص أن يحكم غيره؟
ولأي سبب تقرر جماعة من الناس القيام بانشاء حزب ليحكم الشعب، نيابة عن الشعب، ومن الذي أباح لهم ذلك، وأدخل في عقولهم أنهم أقدر من الجماهير ذاتها على حل مشكلاتها، وحكم نفسها؟
ما الذي جمع أي جماعة لتكون حزبا وتحكم عن طريقه الشعب؟ ان الحزب يريد أن يحكم، والجماهير ترفض حكمه وتريد أن تحكم نفسها. هذه هي العلاقة الجدلية بين الجماهير الشعبية وبين أدوات الحكم التقليدية، وهي علة الصراع المستمر الذي تتجلى مظاهره في العالم المعاصر بين جميع الشعوب ومختلف أدوات الحكم المتحكمة فيها. سواء أكانت فردا أم جماعة، حيث تحاول أن تختلق لنفسها فضلا على الشعب. مسخرة في ذلك دعاية مغرضة لتشويه وعى الجماهير، غير أن الجماهير ترد بتساؤل ملح.. من نصبكم أباطرة وحكاما علينا؟.
من أعطاكم وأعطى عائلاتكم الحق في حكمنا؟ ومن الذي منح أحزابكم وقبائلكم الحق في العمل باسمنا؟ بل من طلب منكم أن تعملوا لنا.. أو تقدموا لنا شيئا؟!.
ان الأحزاب التي تحكم بدعوى تخليصها لشعوبها من القهر الدكتاتوري وبدعوى تحريرها من الفاشية والاقطاع، أو بحجة قيادة شعوبها نحو التقدم و الحرية وغير ذلك، سيكتب لها أن تصطدم بالجماهير الشعبية، وستبرز في وجهها معارضة شعبية مستمرة في مختلف الأشكال السلمية والعنيفة، مثل حركة المنشقين وغيرها من الحركات التي تعبر عن رفض الجماهير لأدوات الحكم التقليدية. وسيتفجر ضدها صراع سياسي طويل، حتى تنتهي بانتهاء احتكارها للسلطة، وتنتصر الجماهير الشعبية مستولية على السلطة استيلاء نهائيا وإلى الأبد.
الصراع ضد السلطة
في نظام الحزب الواحد يكون رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحزب الحاكم، وكذلك الوزراء والنواب وكبار الموظفين في البلديات والمقاطعات والشركات والمصارف والامن والجيش هم من المسئولين الحزبيين في الحزب الحاكم.
وتقف الجماهير الشعبية خارج الحزب متسائلة:
من أعطى الحزب الحاكم الحق في السيطرة على جميع مرافق البلاد، دون أن يسمح لأحد بالاقتراب لأي منها؟ أليست البلاد بلادنا؟!
من هذه النقطة تبدأ حركة الرفض الشعبي لكل سلطة غير سلطة الشعب.
وحتى في الأنظمة المتعددة الأحزاب حيث الادعاء العريض بأن الرئيس ينتخبه الشعب، وكذلك الحزب الحاكم أيضاً، فان الجماهير الشعبية سرعان ما تعبر عن رفضها للرئيس والحكومة معا. فهل منمعنى لذلك سوى أن الجماهير عندما أعطت أصواتها لهذا الحزب ولذلك إنما كانت مضطرة، فهي لم تدع لتقول رأيها ولكنها دعيت لتضع أوراقها في أحد الصناديق الموجودة أمامها أصلا، دون أن يكون بينها صندوق الشعب نفسه.
وحين تعبر الجماهير عن رفضها بالمظاهرات أو أعمال العصيان مثلا ضد سياسة أو قانون أو قرار، فان معنى ذلك هو أن عملية الانتخابات ليست سوى أجراء تقليدي زائف.
ولا يمكن تفسير الرفض الشعبي لمختلف السياسات والقوانين والقرارات التي تصدرها الحكومة إلا برغبته في حكم نفسه بنفسه. كمالا يمكن تفسير رفضه لما تتخذه مجالس النواب من اجراءات، إلا بعدم قبوله بادئ ذي بدء، بأي أداة نيابية تحول بينه وبين ممارسته للسلطة بشكل مباشر.
ان أمثلة الرفض الشعبي لأدوات الحكم المنتخبة تطرق سمعنا وتملأ بصرنا يوميا في العالم المعاصر، فالرئيس الذي يدعى تحصله على نسبة 99 .99%من أصوات الشعب. ونجده في نفس الوقت قد ملأ السجون والمعتقلات والمحاكم بالمعارضين له، في حين يكتشف كل يوم حركة ثورية جديدة مضادة لنظام حكمه، مع استمرار الاضطرابات وأعمال العنف، هل يمكننا أن نجد تفسيرا مقنعا له، سوى ان الانتخابات التي أجراها كانت عملا زائفا وخادعا، وان الصراع سيستمر-ولن يتوقف- إلى أن تصل الجماهير إلى السلطة.
ان الواقع ينبئنا بأن البشرية لم تحسم الصراع على السلطة حتى الآن، فالشعوب لم تصل بعد إلى السلطة، لكن ذلك لا يعنى الا أن الصراع سيستمر حتى تصل الشعوب إلى السلطة. وبوصولها إلى السلطة تقام حياة جديدة وتتلاشى مظاهر الدولة التقليدية، ومعها تتلاشى مظاهر الرفض الشعبي من اضطرابات وتظاهرات واعتصامات واضرابات، ويكون قد تلاشى قبلها البوليس والسجون والقنابل المسيلة للدموع وصناديق الانتخابات.
ان أول خطوة لتحقيق الحلم البشرى بالسعادة الأبدية على الأرض، قد بدأت في ليبيا حيث بدأ ينبلج عصر الجماهيريات بإعلان أول جماهيرية في التاريخ المعاصر.
فالسعادة البشرية على الأرض لن تعرف طريقها إلى الواقع بدون وصول الجماهير الشعبية إلى السلطة وتحررها من كل أدوات القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ان الصراع الدامي الذي يجرى في جميع أنحاء الأرض على السلطة، إنما يبرهن على صحة الاطروحات التي قدمها الكتاب الأخضر في هذا الشأن، كما يبرهن أيضاً على صحة ما يطبق من حلول علمية في ليبيا ويؤكد بأنها ستعم الأرض كلها في أربع أقطارها.
فالصراع الذي تخوضه الشعوب ليس موجها في أساسه العلمي ضد الملك أو الرئيس أو الجماعة الحاكمة بقدر توجهه المبدئي إلى رفض كل أداة سلطوية على الشعب، حتى تصل الشعوب إلى الاستيلاء على السلطة، لينتهي بعد ذلك الصراع السياسي حولها، حيث يصبح من غير الممكن، ومن غير المنطقي أن تحاول أداة حكم ما الاستيلاء على السلطة، لأن ذلك سيفتح باب الصراع الدامي من جديد، بين الشعب وبين مغتصبي السلطة منه.
ان الحكم هو سوس الحياة الخاصة لكل فرد.
أي انه تخطيط وادارة نظام انتاج الفرد.. ونظام اشباع حاجاته من أكل وشراب ومسكن ولباس ومركوب وغيره.. انه نظام برمجة حياة كل فرد في الحرب والسلم، في الحياة والموت، في البيت والعمل.. فهل يقبل أحد أن يقوم غيره بذلك نيابة عنه؟.. لا يمكن أن يوجد أقدر من الفرد ذاته على تخطيط حياته الخاصة.. واشباع حاجاته في وضع مناسب وبكيفية راقية.
انه وضع مضحك وسخيف معا، أن يدعى فرد أو جماعة قدرتهم على تحقيق هذه المهمة أكثر من أصحاب الشأن أنفسهم، ان هذا الادعاء السخيف هو الذي جعل البشرية ترتكس عصورا طويلة في ظلام التخلف والصراع على السلطة.
ولذا فان الشعب في عصر الجماهير لا يسمح لأحد بسوس حياته ولا بتقرير مصيره، مادام حرا طليقا وقادرا على تقرير مصيره بنفسه. ولا تعدو مهمة الكتاب الأخضر تنبيه الشعوب إلى هذه الحقيقة، وايقاظها إلى الحلول العلمية التي يقدمها كوسيلة عملية وعصرية وواضحة، تمكن الجماهير الشعبية مهما كان عددها من حكم نفسها. فبظهور الكتاب الأخضر أصبح الطريق واضحا أمام الثوريين الذين يعلمون الجماهير، وأمام الجماهير التي ستقوم بالتغيير. فالكتاب الأخضر بتقديمه للحلول العلمية النهائية، لأعقد المشكلات الانسانية في المجتمع البشرى المعاصر، يمثل سلة مليئة بالفاكهة الشهية، يقدمها أحد المزارعين لجماعة جائعة ما تلبث أن تسارع في التهامها.
ان السلة لا تحمل شيئا غريبا، ولكنها تحتوى شيئا ضروريا وأساسيا للجماعة التي تحتاجها وهكذا فان الكتاب الأخضر، كان نتيجة دراسة كاملة ومستوفاة للتاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب، فهو زبدة كفاح الجماهير الشعبية من أجل خلاصها من كل قيود القهر السياسي وضغط الحاجات المادية.
فكما جمع المزارع الفاكهة بالسلة من البستان، ولم يصنعها، جمع معمر القذافي حلوله العلمية في كتابه من الواقع دون أن يختلقها.
فقد اتجهت الجماهير الشعبية لحكم نفسها منذ عصور بعيدة. أي منذ بداية تكون الدولة، غير أن أفرادا وجماعات تغلبوا عليها واستطاعوا أن يحكموها بأدوات الحكم التقليدية المعروفة. ففي أثينا التي وضعت فيها سلطة الشعب موضع التنفيذ لأول مرة، نجد مثلا واضحا على ذلك، حيث رفض الشعب الأثيني حكم الفرد وأي حكم اخر، غير حكمه بنفسه مباشرة، فأقام جمعية الشعب التي تلتقي في قاعة تتسع للجميع اسموها"قاعة الشعب" حيث يجتمع كل الشعب الأثيني ليقرر مصيره فيها ويصدر منها القرارات والقوانين التي يريد اصدارها.
ويحدد من خلال اجتماعه العام حربه وسلمه، وما يراه من اجراءات وعقوبات تلزم لتنفيذ مصالحه.
غير أن قاعة الشعب ضاقت بعد فترة بالشعب الأثيني، فبرزت أدوات الحكم النيابية، ثم ظهرت أشكال الحكم الديكتاتوري المختلفة وظهر معها الصراع على السلطة، واشتد كفاح الشعوب من أجل الديمقراطية، حتى حققت الديمقراطية انتصارا نسبيا في القرن التاسع عشر، برفض أشكال الحكم الفردي المطلق، والأنظمة الدكتاتورية التقليدية.
حيث برزت مجددا التجربة النيابية، بحجة عدم إمكانية تحقيق سلطة الشعب الكاملة بدعوى عدم القدرة على جمع الشعب بملايينه العديدة في مكان واحد، وفي وقت واحد. وعدم القدرة على ايجاد حوار مفيد، وانعدام إمكانية صياغة القوانين والقرارات.
ان ظهور التجربة النيابية كان بدافع تجذير هيكل الدولة الرأسمالية التقليدية، فظهرت بالتالي شعارات زائفة مثل الشعار الذي يقول:"لا ضريبة بدون تمثيل نيابي".. حيث صور التمثيل النيابي وكأنه الديمقراطية!، فقسمت الشعوب الى دوائر انتخابية ينتخب فيها الشعب نوابا عنه، سرعان ما ينفصلون عنه ويصبحون في واد والشعب في واد آخر.
ما معنى النائب؟
أن تنتخب الجماهير شخصا يتنازلون له عن سيادتهم واحترامهم وحرية إرادتهم، ويعلقونها وشاحا في رقبته. فيلقب هو بالنائب المحترم دلالة على أن الناخبين جميعا ليس لديهم أي قدر من الاحترام بعدما تنازلوا عنه للنائب المحترم.
كما لا يملكون أي قدر من السيادة بمجرد اعطائهم أصواتهم في الانتخابات وهي تعنى في نفس الوقت تنازلهم للنائب الذي ينتخبونه عن حصتهم من السيادة فالنائب لا يكون نائبا إلا إذا سلب احترام الشعب، وسيادته وحريته وكرامته ليسبغها على نفسه، فهو محترم سيد، يمارس السيادة الفعلية من خلال المجلس النيابي الذي يتمتع بعضويته، ويصدر من خلاله التشريعات والقوانين والأحكام باسم الشعب.
ولذلك فإن أعضاء المجلس النيابي هم أصحاب الكرامة والسيادة والحصانة، حيث يعاملون من قبل أجهزة الدولة التقليدية معاملة خاصة بسبب ذلك، حيث لا يجوز مساءلتهم ولا القبض عليهم، في حين يداس المواطن الذي أعطاهم صوته بالمناسم والاقدام، ويضرب بالقنابل الحارقة والرصاص والقنابل المسيلة للدموع، ويلقي القبض عليه بلا أي سبب في أحيان كثيرة، لأنه مسلوب السيادة والاحترام والكرامة والارادة. فقد سلم سيادته واحترامه وكرامته وارادته للنائب مع بطاقة التصويت، واستلم ايصالا بذلك، فكان ايصال بطاقة التصويت هو ايصال تسليم احترام الشعب وسيادته وكرامته وارادته للنائب المحترم. وبالرغم من ذلك فإن الرفض الشعبي يتواصل بما يعنى أن النواب لا يمثلون الجماهير ولا يعبرون عنها، بدليل أنها تخرج إلى الشارع لتعبر عن نفسها، وهذا معناه أن التمثيل النيابي لا فائدة منه، وان السلطة يجب أن تكون بيد الشعب.
ان كثيرين من المفكرين والمثقفين يقرون بفشل النظام النيابي وبعدم ديمقراطيته، بل عده الكثير منهم نظاما ديكتاتوريا معاديا للشعب، وقد بدأت محاولات ترميمه واصلاحه وترقيعه في كل مكان، حيث صار من حق الناخبين في بعض البلدان استرداد أصواتهم من نائب لينتخبوا نائبا آخر. كذلك نجد بلدانا أخرى، تلجأ إلى الاستفتاء العام، حيث إن المجلس النيابي غير كاف لتقرير أي قضايا نيابة عن الشعب، ولا تدلنا محاولات الترميم هذه الا على فشل التجربة النيابية وعجزها المطلق، فرغم نتيجة الاستفتاءات التي عادة ما تكون 100% أو قريباً منها، فإن الرفض الشعبي يستمر، رغم استمرار محاولات التلفيق عديمة الفائدة المشار إليها، ويستمر في ظلها التمثيل النيابي أضحوكة العصر-التي صارت بالية، تحتضر في صندوقها الزجاجي مقتربة من نهايتها بسرعة كبيرة. فقد ارتفعت في الأفق شعارات الديمقراطية الشعبية المباشرة. "لا نيابة عن الشعب.. والتمثيل تدجيل".. "المجلس النيابي حكم غيابي". "المجالس النيابية إجهاض للديمقراطية" وهكذا صار على العالم أن يسمع بالمؤتمرات الشعبية لأول مرة في تاريخه، لتحل عن طريقها معضلة الديمقراطية نهائيا، حيث يقسم الشعب الى عدد من المؤتمرات بدل جمع ملايينه العديدة في قاعة واحدة، لاستحالة ذلك موضوعيا.
وهكذا فإن قاعة الشعب التي ضاقت بالشعب في أثينا ستصبح عشرات القاعات- حسب عدد السكان-. فليس من الضروري أن يجتمع كل السكان في قاعة واحدة ، وانما يجتمع الشعب في مؤتمراته الشعبية كل في مكانه ليناقش نفس القضايا، وتقرر الجماهير قرارها في وقت واحد في جميع أنحاء البلاد، وبهذا تتكامل القاعدة العملية للديمقراطية الحقيقية المباشرة. حيث يكون كل فرد عضوا بمؤتمره الشعبي ليقرر مصيره بنفسه،" فلا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية".. لماذا؟.. لان إرادة جميع أفراد المجتمع ستكون حرة وفاعلة في المؤتمر الشعبى، وستكون معدومة خلاف ذلك.
ولذا فإن الحل الديمقراطي السليم هو دفع الكفاح الجماهيري إلى أقصى منتهاه لتصل الجماهير إلى السلطة، فتقسم في مؤتمرات شعبية تمتلك السلطة في يدها. وهو أمر يمكن تطبيقه في أي مجتمع مهما كان عدد سكانه. ثم تختار المؤتمرات الشعبية لجانا شعبية تنفيذية، تنفذ قراراتها، وللمؤتمرات الشعبية القدرة على محاسبتها وحلها، واطالة مدتها وغير ذلك.
كما يكون للمؤتمر الشعبي نفسه لجنة إدارية خاصة، تسمى أمانة المؤتمر الشعبي تنظم أموره الإدارية واجتماعاته وحيث إن الشعب كله موجود بالمؤتمرات الشعبية، فان اللجان الشعبية يضعها الشعب اذن، فتكون اللجان في كل مكان لتنفيذ إرادة الجماهير التي تحل محل جميع القوانين.
وهكذا بنشر الكتاب الأخضر طويت جميع النظريات السابقة وأصبحت مستنفذة الغرض، فوضعت ضمنا في غرفة التاريخ من ضمن التراث الإنساني. فلقد طواها كفاح الشعوب من أجل الديمقراطية، وتجاوزها الطرح النظري الثوري للنظرية العالمية الثالثة. فاعتبرتها الشعوب تجارب ناقصة، لم تحل مشكلات المجتمع الإنساني السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتخطتها إلى تجربة جديدة كاملة وشمولية، لتحقيق فوزها التاريخي بقيام سلطة الشعب وعصر الجماهير.
جدل الحرية والسلطة
بقيام سلطة الشعب يصبح كل الناس أعضاء بالمؤتمرات الشعبية، كما يصبحون متساوين، يقعدون سويا جنبا الى جنب على نفس الكراسي. ويتبادر الى الذهن سؤال يفرض نفسه، هل ان وجودهم جميعا في المؤتمر الشعبي وعلى نفس المقاعد- يجعلهم متساوين فعلا؟.. ان الاجابة لا بد ان تكون بالنفي. فالسلطة ليست المطلب الوحيد الذي تريد الجماهير الحصول عليه لتكتمل حريتها.. كما أن السلطة ليست الاداة الوحيدة التي ترهب الانسان المعاصر. بل توجد أدوات أخرى يعتبرها أشد ارهابا له من الأداة السياسية التي حل المؤتمر الشعبي محلها.. فالسلطة تخيف الناس وترهبهم، لأنها تمتلك القرار الذي يتعلق به مصيرهم، ويستطيع من يمتطيها اخافة الناس وارهابهم بجعلهم يعانون توقع أسوأ الاحتمالات.. من جراء الخوف على حياتهم ومعيشتهم ومستقبلهم.. ومصير وجودهم، الذي يكون بيد السلطة وليس بيدهم.
ان الحرية في هذه الحالة تعد مهزومة أو معدومة.. طالما وجد من يتسلط على الناس ويخيفهم، كما أن الناس في هذه الحالة لا يعتبرون أحرارا، بل عبيدا يقعون تحت وطأة الخوف على مصالحهم وارهاب السلطة لهم.. والمال ايضا يخيف الناس ويرهبهم.. ان الغنى يخيف الفقير.. فالذي يتحكم في قوت الآخرين وأرزاقهم.. أو يتحكم في سكنهم ومركوبهم.. أو يستطيع طردهم من العمل.. هو قادر على أن يخيفهم ويرهبهم وينتزع بالتالي حريتهم.. ان الاجير يخاف من رب العمل، يخاف الطرد أو الخصم من راتبه، ولذا فهو خاضع كليا لرب العمل. ان حرية الاجراء مهددة، بل هم عبيد في الواقع لسيدهم الذي هو رب العمل. ان الذي يمتلك أي حاجة من حاجاتك أو يتحكم فيها هو مصدر خوف وارهاب لك، فصاحب البيوت المؤجرة للناس هو السيد الذي يرفع الايجار أو يطرد السكان في أي وقت يشاء.. ويظل الساكنون عبيدا خائفين مرهبين تحت رحمة سيدهم بلا شك.
وصاحب المتجر هو السيد الذي يتحكم في الاسعار، وفي الحاجات الضرورية التي تلزم المواطنين، فيخيفهم ويرهبهم، وبالتالي يخضعهم لمشيئته بسبب هيمنته وتحكمه في حاجاتهم. ان المال مصدر سلطة وبالتالي فهو مصدر خوف وارهاب للناس، وقتل لحرياتهم.
ومن هنا يتضح أن رب العمل ومالك البيوت، والتاجر لن يجدوا مقاومة تذكر في المؤتمر الشعبي من أولئك الذين يخضعون لهم ماديا، وحتى لو برزت معارضة ما، في وجوههم، فانهم قادرون بقوة أموالهم أن يجهضوها ويدمروها تدميرا، فعندما يقترح رب العمل اقتراحا مخالفا لمصلحة جميع الناس فان الاجراء لديه الذين يمتلك معاشهم لا يستطيعون معارضته. لان ذلك يعنى حرمانهم من معاشهم. وبهذه الوضعية فان قرار المؤتمر الشعبي المقترح من رب العمل أو مالك العقارات أو التاجر، ليس قرارا ديمقراطيا، بل هو قرار شخص واحد، فرضه على المؤتمر بفعل القوة والامتيازات التي يمتلكها. ان حاجة العمال التي يمتلكها رب العمل قد ألغت حريتهم. "ففي الحاجة تكمن الحرية". ولم يجعلهم جلوسهم في المؤتمر الشعبي جنبا الى جنب مع رب عملهم أحرارا متساوين معه في اتخاذ القرارات، لان وجودهم في المؤتمر الشعبي ليس سوى وجود صوري.. والديمقراطية في هذه الوضعية هي ديمقراطية صورية أيضا.. حيث المساواة صورية لان الفوارق الجذرية بين أفراد المجتمع قد جعلتها كذلك.
ان السلاح -بمعناه المادي المحدود- هو المصدر الثالث للخوف والارهاب. فمن يمتلك سلاحا ناريا يستطيع في أى لحظة أن ينتزع الاشياء من أصحابها الذين لا يملكون سلاحا مشابها. وفي المجتمع التقليدي المعروف فئتان،فئة مسلحة وأخرى عزلا، والعادة أن الفئة المسلحة قادرة على تخويف وارهاب الفئة الاخرى بل قادرة أيضا على فرض سيطرتها وديكتاتوريتها عليها. اذن فان السلطة و الثروة والسلاح تشكل كل واحدة منها على حدة، تهديدا لحرية الجماهير الشعبية، وستظل الحرية ناقصة أو مسلوبة ما لم تكن السلطة والثروة والسلاح بيد الجماهير الشعبية.. فلا تكون حكرا في يد طبقة أو فئة أو فرد.
تحليل النظام الاقتصادي التقليدي
إن الثروة هي أحد أهم العوامل التي تدفع الى الصراع على السلطة، كما انها أهمها من حيث حرية الأفراد سلبا وايجابا، لانه في الحاجة تكمن الحرية.
كما لا يمكن احداث تغييرات ثورية في بنية المجتمع التقليدي، دون تدمير النظام الاقتصادي السائد، ودون تبديل غاية النشاط الاقتصادي ذاتها، ويتضح ذلك حين نستعرض الشكلين الاقتصاديين الرئيسيين في المجتمع المعاصر فنجد بأن نظام رأسمالية الطبقة يجعل ثروة المجتمع مملوكة لبعض الافراد، الذين يبيح لهم أن يمتلكوا أدوات الانتاج من مصانع ومزارع وغير ذلك كما يبيح لهم استخدام عمال يتنازلون عن انتاجهم الرأسمالي مقابل أجرة تقل عن الجهد الذي بذلوه، وعن الانتاج الذي تم تحصيله، فالعامل الذي يعمل ثماني ساعات يوميا يسرق منه رب العمل ثلاث ساعات، يكون قد خسر شهريا تسعين ساعة، وحين يكون عدد العمال ألفا فان الساعات التي يخسرونها من جهدهم ويعتبرها الرأسمالي المستغل ربحا هي تسعين ألف ساعة عمل. فاذا كانت الساعة تساوى دينارا فانه يكون قد سرق تسعين ألف دينار من ألف عامل كل شهر، وبدا
يصير غنيا فعلا، ولكن العمال يصيرون أشد فقرا من ذي قبل.
ان أرباب العمل لا يعترفون عادة بأنهم سراق واستغلاليون، مدعين تقديم خدمة عامة، كما يدعون توفير أدوات الانتاج التي يملكونها ويسخرونها في استخدام العمال، ويوفرون سلعا هامة للمجتمع، على أسس قانونية وبتراخيص رسمية، ولم يجبروا العمال على العمل، وانهم يدفعون الاجرة المتفق بشأنها مسبقا مع العمال، وفق قانون العمل. غير أن ذلك كله لا يلغى حقيقة هامة وهي أن العمال لا يعلمون شيئا عن قيمة ساعات العمل، ولا عن القيمة التي يسلبها رب العمل من جهدهم كربح له، فرب العمل وحده يعلم ذلك، ويحدد وفقه قيمة ساعة العمل الواحدة، وعدد ساعات العمل التي عليه أن يسلبها من العمال وكذلك عدد العمال الذي يلزمه ليتحصل على ربح أوفر.
ان العلاقة بين أرباب العمل والعمال هي علاقة بين سارق ومسروق، وقد يحاول السارق أن يظهرها في شكل مختلف. فيقدم المنح والهدايا، وبعض المزايا لبعض العمال لكسب عواطفهم والتأثير عليهم، وتعديل مواقفهم، لاجهاض وعيهم الثورى، والمعادى للاستغلال.
وهو انما يقدم لهم مما سرقه منهم، لكن بعض العمال قد يدافع عن السارق بدعوى أنه طيب منحهم حقوقهم وزاد عليها من الهدايا والمزايا.
ان السمسار السارق لجهد العمال سواء أكان تاجرا أو مقاولا أو صاحب مصنع أو مزرعة، لم يقم بهذا العمل أصلا الا بحثا عن تكديس المزيد من المال، ومن أجل ذلك يصنع من نفسه نصابا محترفا يخدع المغفلين ليكدس أكبر قدر من المال.
ان ثمة نوعا آخر من الاستغلال لا يقل سوءا، هو الاستغلال العقاري، أي بناء وامتلاك العمارات والبيوت ودور السكن التي يكون محتاجوها على استعداد لتأجيرها من المالكين، وبالتالي يكونون على استعداد للخضوع والعبودية للمالكين، وهم يجهلون في أكثر الأحيان الطريقة التي تحصل بها الملاك على عقاراتهم، ولكن ألا يحق لهم أن يسألوا عن ذلك؟.. ان هذه الدور السكنية قد بناها مالكوها باستحواذهم على نصيب غيرهم من الامكانات اللازمة لبناء مساكن لهم، فهذه المساكن والعمارات صنعت من مواد بناء متوفرة في البلد أو مستوردة من خارجها مقابل ثمن يعادلها، فهي اذن جزء من ثروة المجتمع، وملك لجميع أفراده بالتساوي، وباعتبار المسكن حاجة ماسة لكل فرد من المجتمع، فمن حق كل فرد أن يملك مسكنه باستخدام حصته من ثروة المجتمع من مواد البناء، لكن القواعد والقوانين الخاطئة، والعلاقات الظالمة التي تنتج عنها تسمح لبعض الأفراد بالاستحواذ على حصص غيرهم وبناء مساكن وتأجيرها بعد ذلك لمحتاجيها، الذين يجدون أنفسهم مضطرين بحكم الحاجة للرضوخ للاستعباد.
وفي نظام رأسمالية الحكومة، فان الشعب كله يكون عبارة عن أجراء، يعملون تحت سطوة الحزب الحاكم ولمصلحته ومن اجل تنمية املاكه، لان الانتاج يعود كاملا دون أن ينقص منه شيء، الا قدر ضئيل هو تلك الاجرة التي تدفع ليبقى الاجراء على قيد الحياة.
إن الارض الزراعية التي قسمت الى مزارع جماعية أو جمعيات تعاونية، ليست سوى اقطاعية جديدة تمثل الحكومة فيها دور الإقطاعي الجديد. حيث ان ادارة هذه المزرعة أو الجمعية تكون بيد الحزب، بالرغم من الادعاء بأن الادارة ينتخبها الفلاحون، فليس ثمة ضمانات ولا ثقة تجعل الحكومة تترك هذا الامر للفلاحين، الذين لا واجب لهم الا العمل في المزرعة الجماعية، ليعود الانتاج بعد ذلك للجمعية التعاونية التي تبيعه للمستهلكين محققة أرباحا طائلة، تنتزع حظوة لادارة الجمعية، عندما يقوم رئيسها بتقديم كشف الحساب السنوي للحزب الحاكم، فبمقدار الربح يقاس تقدم الجمعية وفائدتها للحكومة.
ان تبريرات كثيرة قدمت بين يدي هذا النظامباعتباره أفضل من نظام رأسمالية الطبقة حيث تعود المكاسب لجيوب بعض أفراد المجتمع وهم الرأسماليون الاستغلاليون فقط، أما نظام رأسمالية الحكومة ففيه تعود المكاسب للشعب باستخدامها لتفنيد الخدمات العامة من شق طرق، وإنشاء مدارس.. واستصلاح أراض، وتشييد مستشفيات ومصانع.. وشراء أسلحة.. وأبحاث فضاء، الى آخر ذلك، مما تنفذه أجهزة الحزب الحاكم من اجراءات خدمية وغيرها.
غير أن الشغيلة الذين يعملون في المزراع الجماعية أو الجمعية التعاونية يتكاسلون ويتقاعسون، لأنهم يتنازلون على إنتاجهم للجمعية مقابل أجرة يتقاضونها عملوا أو لم يعملوا. ان الدولة تملك كل شيء، ويعتبر العمال أنفسهم أجراء لدى الدولة، ورغم أنهم يخافون رقابتها بلا شك، الا أن الواعز الذاتي، والحافز الموضوعي مفقود لديهم في العمل الذي يؤدونه. وصارت الجمعيات ذاتها هيكلا بيروقراطيا، حيث البيروقراطية سمة رئيسية من سمات هذا النظام، وقد اضطر أخيرا الى الاعتراف بأن البيروقراطية والتقاعس ظاهرتان تؤثران بقوة في الانتاج العام للدولة. فبالرغم من أن هذا النظام يقوم على الملكية العامة ويلغى الملكية الخاصة، فان أكثر البلدان التي تنتهجه بدأت بمنح الفلاحين قطعا من الأرض ليستثمروها استثمارا خاصا.. فقد وجدوا أن العامل ينتج لحسابه أكثر مما ينتج للدولة. حيث تعطي القطع الزراعية الصغيرة الخاصة أكثر مما تعطيه المزرعة الجماعية التي يشتغل بها نفس العمال.
وفي المصنع أيضا حيث يرأس العمال مجلسا تبعا للحزب الحاكم، بالرغم من القول ان العمال هم الذين يكونونه، فقد قدمت للعمال قوائم معينة تم الاختيار داخلها، بحيث يتمكن الحزب من السيطرة على جميع مرافق الدولة. فان الاجرة هنا تمثل الحد الأدنى، الذي يمكن للانسان أن يبقى في ظله حيا، وحتى لا يبقى أحد من العمال دون عمل، ورغم أنه لا يوجد أى غنى بينهم، الا أن أحدا لا يوجد دون عمل. ومنتهى طموح الجميع أن يتحصلوا على أكلهم وشربهم ولباسهم لا أكثر، وهي أشياء تضمنها الحكومة، كما تضمن المسكن والكهرباء والمياه، وفق الحد الادنى الممكن، مقابل قيمة تستقطعها من مرتبات كل الأفراد فجميع الحاجات مملوكة للدولة -أي للحزب الحاكم- ولا يحق لأحد أن يمتلك حاجاته. ومن هنا تطفو البيروقراطية، ويعم التقاعس -كأشد ما يكون- الوضع الاقتصادي في ظل هذا النظام، فيفشل في تحقيق وفرة الإنتاج.
الثورة والصراع على السلطة
ان أي حركة سياسية تستهدف تغيير نظام الحكم بسلطة أخرى غير سلطة الشعب، هي عبارة عن انقلاب أداة ديكتاتورية على أداة أخرى مثلها.. أنها لا تعدو مؤامرة سياسية يحركها غرض واحد هو الاستيلاء على السلطة.
ان تغيير أشخاص الحاكمين، بحاكمين آخرين -حتى لو كانوا ثوريين أو تقدميين-، هو عمل انقلابي سياسى تقليدي مألوف، في الصراع بين أدوات الحكم المختلفة، وهي تتجاذب أطراف المجتمع، تحاول كل واحدة منها الاستئثار بحكمه، وتوظيفه لخدمة مصالحها الطبقية.
إن الثورة لا يمكن لها أن تكون مؤامرة سياسية،ولا انقلابا عسكريا يجلب أداة حكم ديكتاتورية جديدة بدل أخرى يدمرها، فالثورة هي عمليات التغيير الجذرية في بنية المجتمع البشري، السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، فهي تهدم المجتمع الفاسد وتدمره، وتبني مجتمع الثورة الجديد السليم. لقد سجل التاريخ باهتمام خاص الثورة الفرنسية 1789 م. دون غيرها من الثورات ومن التغييرات السياسية والانقلابات والاضطرابات، ذلك أنها دمرت بنية المجتمع الإقطاعي الملكي في فرنسا بكاملها، وأقامت على أنقاضها المجتمع البرجوازي المعاصر، بقيمه ومفاهيمه وعلاقاته المعروفة، في حين تلاشت قيم ومفاهيم وعلاقات مجتمع الاقطاع الملكي.
وبمجرد اندلاع الثورة الفرنسية هبت الجماهير في فرنسا دون سابق اتفاق بينها، فاستولت على قصور الأمراء والاقطاعيين واملاكهم، واقتحمت السجون، وكونت لجانا شعبية في كل مكان من فرنسا لتسيير أمور البلاد، وتنظيم حركة الثورة.
ورغم أن الثورة الفرنسية قد انتكست بعد ذلك. فبرزت الملكية البرجوازية من جديد، وسيطرت أدوات الحكم الدكتاتوري في الجماهير من جديد، الا أن عصر الجمهوريات كان قد تأسس منذئذ، فترسخت بنية جديدة للاجتماع البشري. وذلك وحده ما استحقت الثورة الفرنسية من أجله اهتمام التاريخ واهتمام دارسي الاجتماع الانساني.
أما أن يقوم جناح اليسار في حزب، بانقلاب ضد جناح اليمين في نفس الحزب، أو العكس، أو يقوم حزب بانقلاب على حزب آخر.. أو أن جماعة عسكريين من رتبة معينة يقومون بالانقلاب على جماعة أخرى من رتبة مختلفة.. فان ذلك كله لا يعتد به، ومخالفا جذريا لمفهوم الثورة.. وتسمى مثل هذه الحوادث والحركات السياسية والعسكرية انقلابا، باعتبارها صراعا محدودا على السلطة تخوضه أدوات سلطوية تقليدية، حتى لو قام بها ثوريون وتقدميون، ضد رجعيين أو ديكتاتوريين.
حيث لاشك في أن يكون النظام السياسي الجديد أفضل من سابقه، فالقضاء على الرجعية والحلول محلها في السلطة لا يعنى أكثر من حدوث انقلاب على نظام الحكم، وهو أمر عادى ومألوف، وليس ثورة ولا علاقة له بها.
ان الثورة تندلع ضد أوضاع فاسدة، تجسدها قواعد خاطئة وعلاقات ظالمة، فلا تكون انتكاسا أو ردة بالمجتمع. بل تشكل في تاريخه الاجتماعي قفزة هائلة الى الامام. بتدميرها للقواعد الخاطئة والعلاقات الظالمة، وبنائها مجتمعا عادلا تقدميا، لمصلحة جميع أفراده، خال من كل مظاهر الاستغلال والقهر والتخلف.
القانون والصراع على السلطة
إن القوانين التي تصدر في ظل أوضاع ظالمة، انما تصدر لتنظم وتصيغ تلك الأوضاع المجسدة واقعيا في قالب قانوني، لتجعلها مستساغة.
ان العلاقة بين رب العمل السيد وأجيره العبد. صاغها القانون في نص يعترف به العالم المعاصر كله، هو (قانون العمل). الذي أصبح مرجعا قانونيا يحافظ على استمرار العلاقة ذاتها دون تغيير. أي ان الواقع الظالم الذي صيغ قانونا، صار يستمد استمراريته من القانون المستمد منه أصلا. فلو طلب العبد اعادة النظر في العلاقة الظالمة التي تربطه بسيده، فإن العالم كله سيذكره بنصوص قانون العمل العتيد، الذي بمقتضاه يتنازل العبد عن إنتاجه لصالح سيده مقابل أجرة زهيدة.
وكذلك (القانون التجاري) بعد أن كان تعبيرا عن حالة فساد معينة صار ينظم العلاقة بين صاحب المتجر المستغل وبين أصحاب الحاجات، حيث يسمح هذا القانون لمن يريد استغلال غيره أن ينصب مصيدته التي يسمونها (متجرا) ليضع بداخلها حاجاتهم الضرورية فيتمكن من اقتناصهم، لمص دمهم وعرقهم بلا أي جهد يبذله، ولا أي حق منطقي له عليهم، سوى حصوله على رخصة بذلك، وفقا لنصوص القانون التجاري.
ان القانون صيغ أصلا استجابة لأوضاع استغلالية معينة، ان جميع القوانين السائدة في العالم.. إنما هي مجرد تنظيم وصياغة لحالة الفساد الموجودة على الطبيعة، في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فحتى الحرب التي هي أخطر جنون لدى الإنسان، تمت صياغتها وتنظيمها في نصوص قانونية تعرف باسم.. (قانون الحرب).. فالحرب بالرغم من أنها قتل وتدمير وهمجية إلا أن المشرعين قد وضعوا لها قانونا.
وحين تقوم الثورة ضد أوضاع التخلف والاستغلال والعبودية وتدمرها وتقيم المجتمع الجديد المنشود، فإن على المشرعين أن يصيغوا أوضاع العدل والتقدم والحرية الجديدة قوانين ترسخ هذه المعطيات الجديدة في حياة الأمم والأفراد.
وهكذا فإن أوضاع الملكية الجديدة ستأخذ طريقها الى التقنين لتنتهي بعد ذلك الملكية الاستغلالية الرأسمالية، وتقر الملكية الاشتراكية قانونيا، بحيث يكون بمقدور أي مواطن أن يأخذ حاجاته من أرض المجتمع على قدر جهده، دون أن يسخر غيره في العمل لصالحه، حيث ان الارض ليست ملكا لأحد يحتكرها عن الآخرين، ولكنها ملك للجميع، يملكونها ملكية انتفاع بالقدر الذي يستطيعونه، وتكون هذه الملكية مقدسة لا تمس ما دام قادرا على استغلالها لاشباع حاجاته. وهذا النوع من الملكية يعتبر جديدا وغير معروف بين أنواع الملكية التقليدية المتعارف عليها، التي هي عبارة عن الملكية البعضية الاستغلالية التي يستحوذ فيها عدد من أفراد المجتمع على الثروة الوطنية، ويستغلون بقية أفراد الشعب خدما وعبيدا لديهم. أو الملكية الحكومية حيث تملك الدولة كل الثروة سواء أكانت أرض زراعية أو مصانع أو غير ذلك في حين تعتبر الملكية الخاصة حراما في ظل هذا النظام، فيعمل الناس بعد ذلك خدما وعبيدا لدى الحكومة من أجل قوتهم.
غير أن النظام الاشتراكي الجديد يعتبر الملكية الخاصة للانتاج الخاص مقدسة، وبالتالي فإن الملكية الخاصة لأدوات هذا الإنتاج تعد مقدسة أيضا بشرط عدم استخدام الغير بأجرة أو بدونها، لأن معنى ذلك هو فتح سوق العبيد -الذين هم الأجراء- من جديد، بعد أن انعتقوا في ظل النظام الاشتراكي الجديد الذي منح الحق للجميع في أن يملكوا ضروريات معاشهم دون اللجوء الى بيع جهدهم أو التنازل عن إنتاجهم لمصلحة آخرين.
حيث ان النشاط الاقتصادي ذاته في ظل الاشتراكية هو لتحقيق غاية واحدة وأساسية هي اشباع حاجات المنتجين الذين يقومون بهذا النشاط، ولذا فان المجتمع الاشتراكي الجماهيري لا يسمح بالقيام بالنشاطات الاقتصادية الزائدة عن حاجة أفراده أو الزائدة عن حاجة الأفراد القائمين بهذه النشاطات.
ان السماح بمثل هذه النشاطات في النظام الرأسمالي هو السبب في عمليات تراكم الاموال وتركزها في يد طبقة تضع يدها على جميع انواع النشاط الاقتصادي بغرض جني الأرباح، فيؤدى ذلك الى حرمان أفراد المجتمع الآخرين من حاجاتهم الأساسية في أكلهم وشرابهم وسكنهم و أداة ركوبهم.. الخ بسبب استيلاء الاستغلاليين عليها وتسخيرها للتحكم في الآخرين، وحين يتم التحكم في الأفراد الآخرين عن طريق حاجاتهم فان صراعا تاريخيا ينشأ عندئذ لا ينتهي إلا بتحرر هؤلاء من عبودية الاستغلال الرأسمالي الذي يطحنهم. ان حرية هؤلاء الأفراد مرهونة بتطبيق الاشتراكية الجديدة والعمل بمقتضى قواعدها العلمية العادلة.
فحين يكون الفرد قادرا على توفير حاجاته واشباعها بنفسه، فإن له أن يقوم بذلك بمفرده دون أية قيود. فينال انتاجه كاملا وتسمى تلك ملكية فردية خاصة، بالذين يعملون لأنفسهم دون أن يستغلوا أحدا معهم في الإنتاج.
أما حين يحتاج عدد من المنتجين للعمل معا ليوفروا حاجاتهم جماعيا، كأن يعملوا بمصنع او بمرفق عمل يصعب أن يستغله فرد واحد، فإنهم سيكونون شركاء في الانتاج الذي ينتجونه بالعمل معا، ويملك كل منهم نصيبه من الإنتاج ملكية مقدسة، ويسمى هذا النوع من الإنتاج، انتاج اشتراكيا. أما النوع الثالث من الانتاج الاشتراكي فهو الخدمة العامة، حيث يقدم بعض الأفراد عملا ضروريا للمجتمع مثل الخدمة الطبية، أو التعليم.. أو المهام الإدارية عموما، فان على المجتمع الاشتراكي أن يشبع حاجات هؤلاء الأفراد الذين يقدمون له خدمة ضرورية يحتاجها، فيوفر لهم سكنهم وركوبهم وضروراتهم الحياتية، ولو على شكل راتب مالي يتقاضونه.
ويبقى جزء من أفراد المجتمع غير قادر على تأدية أي عمل وبالتالي يعجز عن توفير حاجاته بنفسه، بسبب عاهات دائمة أو مؤقتة وهؤلاء هم العجزة الذين لا يقدرون على القيام بأي عمل فردى أو جماعي بأي صورة، فإن المجتمع الاشتراكي الجديد ملزم إنسانيا واجتماعيا وعلميا بضمان حياتهم وتوفير حاجاتهم.
ان هذه الصورة التي سيكون عليها المجتمع الاشتراكي الجماهيري الجديد، هي التي ستلهب مشاعر العمال الأجراء في العالم المعاصر، ليكتشفوا عن طريقها فساد القوانين المطبقة بحقهم، وظلم العلاقة السائدة بينهم وبين أرباب العمل، فتندلع ثورة العمال من داخل مرافق الإنتاج المختلفة، حيث يستولون على المنشآت الإنتاجية والمصانع، ويديرونها بأنفسهم منتزعين إنتاجهم من يد الاستغلاليين والسارقين الذين كانوا ينهبونه من بين أيديهم. ان عصرا جديدا يهل على العالم يومئذ بانتصار الشغيلة في ثورتها حيث لا أجراء بعدئذ.. لا عبيد.. لأنه لا استغلال ولا سرقة بعد أن يعود الإنتاج لأصحابه الذين أنتجوه.
ويصبح توفير الخدمات العامة الضرورية من صحة وتعليم وتسليح.. الخ.. يتم بتقديم المنتجين لقيمة معينة من إنتاجهم عن طيب خاطر، واقتناع تام، بارادتهم الحرة، للمجتمع ليتمكنوا من الاستمتاع بتلك الخدمات. دون الحاجة الى فرض الضرائب والاستقطاعات المختلفة، ودون الحاجة الى مصادرة الانتاج.
ان الصراع الدموي على السلطة لابد أن ينتهي الى نهايته الطبيعية الوحيدة وهي قيام سلطة الشعب. ولكي تكتمل سلطة الشعب لابد أن يتحرر الجميع من كل القيود ويتساوون قيميا وماديا. فالمساواة لا تكون حقيقية، كما لا تستقيم الديمقراطية في وضعها الأمثل دون تساوى الوضع الاجتماعي لجميع أفراد المجتمع. ان الثورة الاجتماعية تكون أمرا ملحا وأساسيا لتدمير الظلم الاجتماعي الذي يعانيه الأفراد في مجتمعاتهم لمختلف الأسباب.
ان العمال مضطرون لتفجير ثورتهم للحصول على حقوقهم.. وكذلك الطلاب، يدفعهم وضعهم الاجتماعي لتفجير ثورتهم على الوضع الرجعى التقليدي الذي يقيد ابداعهم، ويشل قدراتهم على التغيير الثوري في ظل الوضع الاشتراكي الجماهيري الجديد.
كما أن جماهير النساء ملزمة بتفجير ثورتها لانتزع الحقوق المغصوبة، واخراج المرأة من الوضع العبودي الذي تعانيه الى وضع الحرية والمساواة في ظل حياة إنسانية سعيدة ومتكافئة لجميع الأفراد.
واذ يتساوى جميع الناس فإن المجتمع الجماهيري يكون قد أصبح واقعا معاشا بالنسبة لأفراده حيث لا فوارق.. لا استغلال. لا عبودية.. لا تخلف.. وتبقى الثورة الشعبية هي الطريق الوحيد للوصول الى تحقيق هذا المجتمع.
ان أداة تفجير الثورة الشعبية هي اللجان الثورية فعن طريقها ستتحرض الجماهير الشعبية لتعي واجباتها التاريخية في تدمير المجتمع الرجعى القديم واقامة المجتمع الجماهيري السعيد.
إنها القيادة الثورية للجماهير الشعبية.. فهي الاطار السياسي والعلمي لقوة التغيير الجديدة التي يتأكد لها علميا فساد المجتمع الرجعى وقيمه السائدة ويتوفر في يدها البديل الثوري الجديد، وتجد طريقها الى تحقيقه بالجماهير الشعبية.
ان الصراع على السلطة سيتوقف عندئذ، فالجماهير قد انعتقت نهائيا من قيود القهر السياسي وضغط الحاجات المادية.