ثورة الشغيلة
لماذا الشغيلة ؟ :
إن الاهتمام بالعمال يفوق الاهتمام بأي قطاع اجتماعي آخر، فلماذا ينصب جل الاهتمام على العمال أكثر من سواهم من القطاعات الإنتاجية في المجتمع؟ إن العمال تاريخيا وواقعيا. هم الطبقة الوحيدة في المجتمع التي تساهم في تقديم جهد إنتاجي حقيقي ومباشر لإنجاز المشروعات الحيوية. والعمل بشكل دائب في مواقع الإنتاج، من ألموانيء، إلى أعمال البناء إلى عمليات استصلاح الأراضي للزراعة، أو في المصانع ومرافق الإنتاج المختلفة. إن الإنتاج هو جهد العمال. ورغم ذلك فان إهمال طبقة مسحوقة مهضومة الحقوق ومسروقة الجهد معا، حيث يتعرضون لاستغلال المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة. تلك التي تسخر العمال الذين يبذلون جهدهم لإنجاز المشروعات التي تعهد بها إليهم. مقابل أجرة فقط، ليعود إنتاج العمال كله إلى تلك المؤسسات الاستغلالية. مما أوجد ظاهرة خطيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المعاصرة. ورتب ظروفا سياسية قاهرة بالنسبة للعمال الذين يسرق جهدهم ويستغل إنتاجهم من طرف المؤسسات الاستغلالية في العالم المعاصر..
كيف يسرق جهد العمال :
لقد قنن الفكر الاجتماعي التقليدي ظاهرة الاستغلال ما نحا لها قوة القانون من أجل اضفاء المشروعية على جميع عمليات الاستغلال في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يوظف مؤسسات الدولة الليبرالية سياسية واقتصادية واجتماعية في تكديس الأرباح بسرقة جهد العاملين. إن قوانين العمل التي صيغت لهذه الغالية، إنما يراد من ورائها تكديس الثروة في يد الطبقة الرأسمالية المهيمنة على المجتمع الليبرالي. وحين تتولى الدولة الرأسمالية منح التراخيص التجارية وتراخيص استخدام العمال، فأنها بذلك تبيح في واقع الأمر للأفراد المتحصلين على تلك التراخيص ممارسة أعمال الاستغلال وسرقة جهد العمال في ظل المشروعية القانونية. إن الدولة الرأسمالية تمنح تراخيص الاستغلال لممارسيه. وتمنحهم بعد ذلك مجالات الاستغلال التي يستطيعون عبرها احتكار ثروة المجتمع بيدهم، وحرمان بقية فئات المجتمع من الضروريات الأساسية الى تحتاجها. فحين يرغب أحدهم في ممارسة الاستغلال فانه يلجأ إلى الدولة الرأسمالية التي تمنحه وفق شروط معينة تصريحا خاصا يضمن له ذلك مذيلا بأختام الدولة ونصوص قوانينها وتوقيعات وزرائها ومسئوليها. فينصب همه بعد ذلك في البحث عن المشروعات التي يمكنه إحراز الربح منها، بل ربما كانت مشروعات مختلفة جرى الإعلان عنها تحت الحاح السارقين وطلبهم.
حتى إذا تم الإعلان عن مشروع ما، وتم رسو العطاء على فرد بعينه، فان همه ينصب هذه المرة في البحث عن عمال ليسخرهم في إنجاز المشروع. وسيكون كل من السهل علية أن يحصل على أعداد وفيرة منهم بسبب حاجتهم إلي بيع جهدهم مقابل أجرة تحفظهم على قيد الحياة. وهنا مرة أخرى نجد أنفسنا أمام القوانين التي صيغت لتحديد العلاقة بين رب العمل والعامل كعلاقة بين سيد وعبد. فالأجرة التي يحددها رب العمل وفق القانون للعامل ليست مساوية لجهده المبذول، وليست مساوية لإنتاجية. بل أن العامل ينتج أكثر وينال اقل. وهكذا فان الفرق بين إنتاج العمال وأجرتهم يعود كربح لصالح رب العمل المستغل. في حين يضطر العمال بحكم الحاجة إلى الرضوخ للشروط القاسية التي يفرضها أرباب العمل، والمتمثلة أساسا في إنقاص أجرهم، بحيث يتحصل أرباب العمل عادة على ما يقرب من نصف إنتاج العمال كربح لهم. وليس أمام العمال إلا الموافقة على عقد العمل المبرم بينهم وبين أرباب العمل. مقرين بذلك "ظاهرة السرقة" التي يمارسها الرأسماليون بحق المنتجين. من الوجهتين القانونية والسياسية، بحيث تصبح المؤسسات الرأسمالية التي تمارس الاستغلال والسرقة بمنأى عن أية مساءلة من أي نوع. بل انها تتمكن في حالة حدوث مساءلة ما من الحصول على نتائج إيجابية لصالحها، باعتبار أن ممارستها للسرقة إنما هي ممارسة مشروعة، يقرها القانون وتمنح الدولة الرأسمالية من خلال أجهزتها الرسمية الاذن الرسمي بمزاولتها. وهكذا فان الفكر القانوني التقليدي، قد قنن ظاهرة السرقة وأسماها (مزاولة الأعمال الحرة) مانحا لمزاوليها رخصا تجارية ليست في واقع الأمر سوى تراخيص. بمزاولة السرقة لمن تتوفر فيه شروطها. وحين يتم الإعلان عن العطاءات، فان السراق يكونون قد وجدوا بغيتهم ليمارسوا عملهم الذي تسمح لهم تراخيصهم بمزاولته.
إن أي إعلان عن عطاء إنما يكون معناه في الواقع تنبيه السراق إلى وجود فرصة يطلب انتهازها لتحقيق ربح على حساب إنتاج العمال. ولا يكون منطوق الإعلان عن العطاء إلا هكذا. "إلى جميع السراق الذين توفرت فيهم الشروط. ومنحوا بذلك رخص رسمية، ليقوموا بسرقة جهد العمال وتحقيق ربح على حسابهم.. إن الفرصة الآن أمامكم سانحة لممارسة عملكم هذا.. حيث أن المشروع كذا قد تقرر البدء بتنفيذه". لقد استطاع أرباب العمل من خلال علاقة ظالمة أرساها الفكر القانوني التقليدي من فرض سيطرتهم على العمال وفرض هيمنتهم على وسائل الإنتاج. رغم أن أرباب العمل من الناحية الإحصائية أقلية ضئيلة في المؤسسات الإنتاجية" ولا يمثلون شيئا على الإطلاق من الناحية الإنتاجية، في حين أن العمال هم الأغلبية، المطلقة وهم المحرك الحقيقي والوحيد لعملية الإنتاج، إلا أن العمال يخضعون كليا لتحكم أرباب العمل فيهم" ولعل ذلك الخضوع من جانب أولئك وهذا التحكم من جانب هؤلاء سيستمر في ظل غياب الثقافة الثورية" التي تحقق وعى العمال بالظلم التاريخي الذي حاق بهم، على يد الطبقات المستغلة في مجتمعات الاستغلال والعسف المادي والمعنوي. إن الثقافة الثورية هي التي ستدفع العمال إلى التمرد. ليقوموا بثورة عارمة تستأصل العلاقات الظالمة وتحطم مجتمعات الاستغلال لتنهار بعد ذلك المؤسسات الرأسمالية والعلاقات المجحفة التي حمتها ورعتها قوانين الاستغلال الطبقي، ليفتح المجال بعدئذ لحياة جديدة ترسى قواعد العدل في حياة الأفراد والجماعات. حيث تعود الحقوق إلى أصحابها كاملة، وفق معادلة جديدة ينال فيها كل منتج إنتاجية الخاص. ويعود عبرها كل جهد لصاحبه الذي بذله كاملا غير منقوص. فتلغى بذلك المعادلة القديمة القائمة على مبدأ التناقض بين (العامل الأجير) و(رب العمل المالك) ليظهر إلى الوجود (المنتج الشريك) وفق فلسفة تحددها مقولة "إن المنتجين شركاء للأجراء) إن قيم الحياة القديمة وعلاقات الإنتاج فيها تكون قد تلاشت نهائيا من حياة المنتجين، فيحل محلها قيم علاقات عصر الجماهير التي تحرر المنتجين من قيود الملاك وقوانين العمل، ليملك كل منتج بنتاجه.
عناصر الإنتاج :
إن كل المؤسسات الاقتصادية تقوم على "العملية الإنتاجية" بعناصرها الأساسية الثلاثة وهى: المنتجون، والمادة الخام اللازمة للإنتاج ثم أداة الإنتاج أي الآلات التي تلزم المنتجين لتأدية عملهم وتحقيق الإنتاج، المتمثل في هيكل المؤسسة الإنتاجية ذاتها المكون من المبنى والآلات المستعملة في الانتاج كالمصنع أو الورشة أو غيرهما. كما إن العملية الإنتاجية مترتبة على التفاعل بين كل عنصر من عناصر الانتاج الثلاثة وبعضها، بحيث إذا نقص واحد منها تعطل الإنتاج بالكامل.
وبحكم هذه المشاركة الكاملة بين العناصر جميعها في الإنتاج فإن القاعدة المنطقية والعلمية العادلة تتوجب أن يكون لتلك العناصر جميعها حق المشاركة فيء لمكية المؤسسة الإنتاجية ذاتها بالتساوي بين عناصره الثلاثة المذكورة آنفا. بحيث يكون لكل عنصر منها نصيب يتفق مع حجم جده واسهامه في الإنتاج. فيقسم الإنتاج- الذي هو عائد العملية الإنتاجية- على ثلاثة عناصر، لكل منها ثلثه. فينال المنتجون ثلث الإنتاج ، ويعود الثلث الثاني إلى المواد الخام هي جزء من ثروة الشعب، فيؤول إلي الشعب. بمن فيه المنتجون أنفسهم من خلال اعادته إلى الميزانية العامة للمجتمع. ويعود الثلث الأخير لهيكل المؤسسة الإنتاجية نفسه، فيؤول إلى الجهة التي وفرت المؤسسة الإنتاجية التي هي الشعب صاحب المصانع والمنشآت الإنتاجية المختلفة، لأنة هو الذي اشتراها من ميزانيته العامة ليوفر مجالات عمل للمنتجين بها.
أما إدارة المؤسسة الإنتاجية وتنظيمها فهي مسئولية جميع العاملين بها على شكل "إدارة شعبية" تحقق السيطرة الفعلية والمباشرة للعاملين على مؤسستهم عن طريق اختيارهم "لجنة شعبية" من بينهم، يتوافر لها عامل التخصص فيما يسند إليها من مهام سواء تعلقت بالمؤسسة الإنتاجية وقضايا الإنتاج أو بالعاملين. وتحل هذه الإدارة الشعبية محل الأداة الرأسمالية أو الادارة الحكومية البيروقراطية محققة دفعا قويا نحو زيادة الإنتاج. والرفع من قيمته. وتوجيهه نحو ما يفيد حياة البشر، ويشبع حاجاتهم، والمحافظة على انتظام العمل بالمؤسسة الإنتاجية. وبتحقق هذه الاطروحة العلمية تحل أزمة الحرية في أعقد جوانبها وهو الجانب الاقتصادي، ذلك إن انتهاء التناقض التاريخي بين الأجراء والمالكين نتيجة ظهور القوة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجديدة المتمثلة قي الشركاء- والتي تغطى الخارطة الديموغرافية للمجتمع بالكامل في مختلف قطاعاته الاقتصادية، إنما يلغى الصراع الطبقي التقليدي بأشكاله المتعددة- سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من خلال حسم التناقض الطبقي بين العمال وأرباب العمل حسما جذريا بالقضاء على السرقة والاستغلال- أي تدمير قوانين العمل وتدمير الأجرة- التي هي عبارة عن نموذج من نماذج السخرة وارغام الانسان بالقهر وضغط الحاجة إلى قبول الذل والتسليم في حقوقه الاقتصادية الصريحة ذلك هو ما يجعل تلك القوة التي قهرت العمال عبر التاريخ تتلاشى نهائيا ليتحرر العمال من جورها وقهرها.. دون أن يحل محلها قوة أخرى جديدة تمارس نفس وظيفتها في الهيمنة على العمال واستغلالهم، بل إن العمال أنفسهم يحلون محل أرباب العمل في الادارة فيمارسونها جماعيا بإقامة المؤتمرات الإنتاجية التي تقرر، ويختارون من بينهم لجنة شعبية تقوم بتنفيذ قراراتهم داخل المؤسسة الإنتاجية التي يعملون بها.
تحرر الشغيلة :
وبسقوط أرباب العمل، وتحطيم القوانين التي تبيح لهم الاستغلال، يتحرر الشغيلة من قيود الأجرة والسخرة، وتتحرر حاجاتهم بعودة إنتاجهم إليهم، فتنهار قواعد المجتمع الرجعى المبنى على الاستغلال والاحتكار، وتقام قواعد مجتمع، جديد خال من الظلم على أساس الثقافة الثورية الجديدة، التي هي ثقافة الحرية، فيؤسس عليها مجتمع جديد يعيش جميع الأفراد في ظله متساوين أحرارا بعد تخلصهم وإلى الأبد من جميع عوامل الاستغلال والظلم. إن مجتمعا كهذا ستكون حرية أفراده ، المطلقة هي الهدف الذي يتقدم جميع أهدافه، بل إن استمراره في الوجود مرهون باستمرار انعتاق أفراده من كل قيود الأجرة والإيجار والاتجار. وستسوده ثقافة ثورية علمية تهيئ الشغيلة منذ البدء لخوض معركة تحريرها ثم تعدها بعد ذلك لقطع الطريق نهائيا أمام الاستغلال، واقامة مجتمع الشركاء الأحرار الواعين بمصالحهم. وبمخططات أعداء حريتهم من أرباب الأعمال الذين فرضوا طغيانهم على الشغيلة عصورا مظلمة طويلة احتكروا عبرها حاجات الناس وساموهم العسف والخسف محققين من وراء ذلك أرباحهم الطائلة على حساب الجميع. إن العامل الأساسي في تحرر الشغيلة هو وعيها بواقع الظلم الذي أفرزته العلاقات الظالمة الرجعية المفروضة عليها في مجتمع الاستغلال والأجرة بالوسائل التي تلجأ قوى الاستغلال- من برجوازية ورأسمالية وإقطاعية- إلى استخدامها لاخضاع الشغيلة نفسيا وعقليا لترضخ للظلم والاستغلال. إن تغييب وعى الشغيلة هو الهدف الذي تسعى قوى الاستغلال إلى تحقيقه بكل الوسائل التي تستطيع أن تضع عليها يدها. وفي مقدمة تلك الوسائل يأتي الدين كأحد أهم الوسائل التاريخية التي عملت قوى الاستغلال على تزييفها واستخدامها لتغييب وعى الشغيلة وخدمة مصالحها والدفاع عن امتيازاتها وسرقاتها حتى ولو وصل بها الأمر إلى تزييف المقولات الدينية وابعاد الدين عن غايته الأساسية كما حدث في القرون الوسطى عندما تحولت الكنيسة إلى مؤسسة إقطاعية تمارس الاستغلال من خلال اقتطاعها أراض شاسعة امتلكتها في مختلف أنحاء أوروبا، مما أدى إلى ردود فعل مضادة للدين والكنيسة معا وصلت حد الالحاد وإنكار الدين، واعتقاد أبانه المسئول عن ممارسات الكنيسة المسيحية ورجال الكهنوت المسحى. ورغم أن الدين ليس الوسيلة الوحيدة التي تستغلها قوى الاستغلال لمقاومة التقدم والعدالة إلا أنه أهم هذه الوسائل كلها بسبب تأثير العاطفة الدينية وقوة تحكمها في سلوكيات المؤمنين من الشغيلة والثوار. حتى أننا نجد الرجعيين في ليبيا حينما قرروا مقاومة تحرر الشغيلة وافشاله لجأوا إلى الدين مرة أخرى فوظفوا بعض الشيوخ للدفاع عن مصالحهم التي تهددها ثورة الشغيلة التي كانت تدق أبوابهم بعنف آنذاك. فدعوا من المساجد إلى محاربة الحرية والعدل الاجتماعي وسيطرة العمال على إنتاجهم، وادعوا بأن هذه الأمور مخالفة للدين، في محاولة لاستعداء الشغيلة ضد مصالحها الحقيقية وضد قضيتها العادلة، عن طريق استغلال العاطفة الدينية القوية والجهل بالمضمون التقدمي للدين. وعلى ذلك فان الشغيلة بنضج وعيها الثوري لاتحطم قواعد الظلم فحسب بل انها تحرر الدين من الكذب والتزييف، وتلغى عنه الدور الرجعى الذي ربطوه به، وتقدمة للإنسانية كرسالة تقدمية ذات دور ثوري ومثالي. فإذا نجحت الشغيلة في ليبيا في تحقيق ذلك فانها ستقدم الدين للعالم كرسالة عدل واخاء ومساواة في عصر مشوه من التكالب المادي والاستلاب والاغتراب. وستكون مهمة الشغيلة معاقبة قوى الاستغلال والرجعية لا لأنها استعبدتها واحتكرت حاجاتها فقط، ولكن لأنها حاولت تضليلها وزيفت الوجه الوضىء لمعتقد الديني. أن قضية وعى الشغيلة، ليست قضية مؤقتة مرتبطة بالمرحلة السابقة على قيام الشغيلة بثورتها، فكما أن الوعي الثوري شرط لازم لتفجير تلك الثورة، فهو كذلك شرط لازم لاستمرارها ونجاحها.. لتتمكن الشغيلة من احراز نصرها الكامل والدائم ضد قوى الاستغلال التي تظل متربصة بالشغيلة حتى بعد تفجيرها لثورة بحثا عن هفوات تستغلها، وعن نقاط ضعف تستخدمها لاثبات عجز الشغيلة عن تقرير مصيرها، وفشلها في تحمل مسئولية حريتها، وبالتالي إخضاعها مجددا واعادتها إلى القيود التي خرجت لتوها عنها. إن قوى الاستغلال التقليدية والقوى الرجعية المنساقة في ركبها ستجهد نفسها للحصول على ثغرات تستغلها لتدمير ثورة المنتجين وتفريغها من مضامينها الثورية والتقدمية والديمقراطية، لتعطى مبرر لعودة الظلم والاستعباد من جديد. ولذا فان مهمة الشغيلة في المحافظة على ثورتها وترسيخ انعتاقها من كل القيود هي مهمة صعبة وشاقة، وهى بحاجة إلى درجة كبير ة من الحرص في ادارة مؤسساتها ومنشاتها الاقتصادية، وبحاج إلى مضاعفة إنتاجها، وزيادة تنظيم العمل واطراده للحيلولة دون حدوث خلل أو تعطيل من شأنه تمهيد الطريق لانتكاس ثورة المنتجين وعودة أرباب العمل بظلمهم وقهرهم للشغيلة من جديد. إن وعى الشغيلة الثوري هو الذي سيحول دون انتكاس ثورة المنتجين ودون سرقتها وتدمير مكاسبها، لأن وعى الشغيلة الثوري هو الذي يجنبها الوقوع في المز الق والأخطاء التي سقطت فيها بعض التجارب الثورية المعاصرة وخاصة التجربة الناصرية في مصر والتجربة التشيلية. فمن المعلوم أن النظام الثوري في تشيلي قد قام باسترجاع أموال الشعب من أرباب العمل السارقين وتوزيعها على الفقراء من الجماهير الشعبية، وأمم الشركات الأجنبية لصالح العمال، ولكن وعى الفقراء من الجماهير، وخصوصا العمال كان بسيطا أو معدوما، في حين قام النظام الثوري باتخاذ خطواته تلك نيابة عنهم ودون أن يكون الأمر واضحا بالنسبة لهم، فاستطاع أرباب العمل والبرجوازيون وجميع أفراد الطبقة المستغلة للشعب والتي ضربت مصالحها، استقطاب العمال والفئات الفقيرة الأخرى ليخرجوهم إلى الشارع هاتفين بسقوط الثورة في تشيلي، ولم يكن بد من سقوط الثورة، وعودة الاستغلال باختيار العمال والفئات الفقيرة نتيجة انعدام وعيها الثوري. كما وقفت جماهير العمال عاجزة في مصرعن المحافظة على مكاسبها التي تحققت بفعل الثورة الناصرية، حينما تقدم قطار القوى المضادة للثورة لسحق الإنجازات التي تحققت بقرارات ثورية لم يكن لجماهير الشغيلة يد في اتخاذها، لقد كان عجز تلك الجماهير عن حماية مكاسبها من جهلها المطلق بمبررات تلك المكاسب التي لم تصنعها وإنما صنعت لها مما غيب وعيها بما حدث ويحدث. ومن هنا فان المجتمع السعيد هو الذي تحرره جماهير الشغيلة بنفسها من الظلم والاستعباد، دون أن ينوب عنها أحد في ذلك حتى ولو كان ذلك النائب هو من مكن الشغيلة من وعى واقعها وفتح أمامها الطريق نحو تحررها الكامل، على اعتبار أن المطلوب هو تفجير ثورة المنتجين لتصحيح مسار التاريخ الإنساني، و ليس مجرد قرار حكومي بإلغاء مظهر من مظاهر الاستغلال. إن المجتمع السعيد هو الذي تتفجر فيه ثورة المنتجين فلا يكون فيه مجال للاستغلال.. ولا يكون فيه مكان لتاجر يحتكر حاجات الأفراد ليساومهم عليها لسرقة جدهم ومصادرة إنتاجهم.. ولا مكان فيه لمقاول أو رب عمل يسخر الأفراد ويستنزف قدراتهم مقابل أجرة ظالمة أو صدقة كاذبة ليحقق من وراء هذه السرقة أرباحا طائلة تزيد من عبودية المنتجين.. انه بعد أن يثور المنتجون ويسيطروا على المؤسسات الانتاجية ستنعدم الاضرابات والاضطرابات العمالية التي تقوم بها الشغيلة في جميع أنحاء العالم المعاصر. فلا معنى لأن يضرب أو يتمرد المنتج في مؤسسته التي يملكها ويوجه إنتاجها ويتحكم فيها بالكامل.. لأن معنى ذلك أن يثور ضد سيادته وضد حريته التي تحول عبرها من أجير إلى شريك حر متخلص من جميع الاغلال التي كانت تكبله.. إلا إذا أراد أن يعيد القيود إلى يديه، ويناصر أرباب العمل المستغلين ضد نفسه. إن المجتمع الاشتراكي السعيد هو حلم المظلومين عبر التاريخ من عمال وفلاحين واقعين تحت سيطرة الرأسمالية والإقطاع، ومقهورين ومطحونين بسيطرة بيروقراطية الدولة الرأسمالية التي حلت محل أرباب العمل الرأسماليين. ولكن الوصول الي تحقيق هذا الحلم لا يمكنه أن يتم لا إذا توفر عاملي الوعي الثوري والتنظيم. فثورة الانعتاق التي تفجرها جماهير الشغيلة شأنها شأن العمليات الحربية التي يقوم بها جيش يدبر لغزو مدينة ما. فهو يستطلعها أولا ليجمع، المعلومات التي تكون ذات أهمية استراتيجية بالنسبة له.. ثم يشرع بعد ذلك بالهجوم. أي إن استلاء جماهير الشغيلة على هدفها لابد أن يتم بطريقة منظمة ومدروسة بدقة بعيدا عن الارتجال والرعونة التي تسبب الفشل وتضر بالغرض الأساسي الذي من أجله تجمع جماهير الشغيلة نفسها وتتعرض للمخاطر حتى تحققه.
أنواع الإنتاج الاشتراكي :
إن المجتمع السعيد الذي ينتج عن ثورة المنتجين هو مجتمع البشر الأحرار المنتجين الذي ينعدم فيه الاستغلال والظلم.. وتزدهر في ظله العدالة والمساواة بين الناس جميعا.. وينال فيه الجميع حقوقهم. وبذلك فان نظامه الاقتصادي محدد علميا في ثلاثة أنواع من النشاط الاقتصادي تكمل الواحدة منها الأخريات وهى :
أولا: الإنتاج الخاص: وهو ما يزاوله الفرد بنفسه من أجل اشباع حاجاته، محققا عن طريقة ملكيته الخاصة لمصدر رزقه دون أن يسخر أحدا طلاقا في هـذا المجال.
ثانيا: الإنتاج الاشتراكي: ويتثمل في النشاط الذي يبذله الشركاء في ألمنشات الإنتاجية المملوكة ملكية مشتركة بينهم، حيث تتضافر عناصر الإنتاج لتحقيق الإنتاج، وبذا يكون الإنتاج مملوكا بين عناصر الإنتاج الثلاثة مجتمعة لم شأن اجتماعها في عملية الإنتاج ذاتها.
ثالثا: الخدمة العامة : وهى ما يقدمه عدد من الافراد لمصلحة جميع أفراد المجتمع من خدمة في ضرورية كالطلب أو التعليم أو الإدارة العامة.. الخ.. ويتضامن المجتمع كله في تقديم ما يكفل لهؤلاء الأفراد إشباع حاجاتهم ليتمكنوا من تقديم خدماتهم له. إن جماهير الشغيلة بعد تفجيرها الثورة وتحقيقها النصر تتضاعف مسؤليتها، ويكبر واجبها لزيادة استعدادها لمواجهة أعدائها، ومضاعفة يقظتها لتدافع عن مصالحها. إن معركة الشغيلة لا يمكن لها أن تنتهي بمجرد انتصار ثورتها بل انه تدخل معركة مفتوحة بمجرد لجوئها إلى الثورة ضد قوى الاستغلال في المجتمع حتى نهاية هذه القوى بشكل جذري وصار عليها منذئذ ان تحسم هذه المعركة فليس هناك أحد فيالوجود يمكنه أن يدير هذه المعركة نيابة عنها. وصار عليها أيضا أن تحدد مسارها وتعين حلفاءها وتعرف قوة أعدائها.. فهي قد دخلت حلبة صراع دموية ستنتهي.
اللعبة فيها بسحق أحد المتصارعين وبقاء الأخر. ان الشغيلة لا يمكن لها ان تتنصل من مسؤليتها في خوض معركتها، كما لا يمكن لها ان تهادن أعدائها الذين يضعون المخططات لاجهاض ثورتها وافشال انعتاقها واعادته الى قيود الاستغلال والقهر من جديد.
وإذا قررت الشغيلة غير ذلك، فارتضت لنفسها الاستعباد والاستغلال ومص الدماء، فذلك قرارها وحدها، ولن تجد لنفسها نصيرا، غير أن تعيد حساباتها وتشحذ همتها لتدخل معركتها بحزم وجد، والا كتب عليها أن تظل في القيود دهرا لا يدرك مداه.
إن قضية تحرير الشغيلة هي قضية الاختيار بين ان يكون الفرد عبدا أو يكون حرا، ولا يمكن للعبودية أن تسقط إلا بسقوط مجتمع الاستغلال بقيمه وعلاقاته وقوانينه الظالمة عن طريق ثورة المنتجين.. أى ثورة المظلومين أنفسهم. ويظل ذلك اختيارا متروكا للشغيلة نفسها بعد أن توضع أمامها كل الحقائق الجوهرية عن قضيتها التاريخية.