الملكية وعلاقات الانتاج
مقدمة:
جاءت النظرية العالمية الثالثة لتغير بنية المجتمع، ولتضع أساسا لبناء مجتمع جديد، تكون فيه السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب.. وهو المجتمع الجماهيري، الذي تكون العلاقات الانسانية فيه مبنية على القواعد الطبيعية التي تعتبر المقياس والمرجع والمصدر الوحيد في العلاقات الانسانية.
وتعتبر هذه النظرية هي المنطلق الفكري الذي تستند إليه عملية التغيير وهى التى تحدد معالمها واتجاهاتها، ولذلك ينبغي أن تكون هذه النظرية واضحة كل الوضوح في إجابتها عن الأسئلة التالية:
ما هي صورة المجتمع بعد نجاح عملية التغيير؟
ما هي طبيعة نظام الملكية في هذا المجتمع؟
ما هو شكل النظام الاقتصادى فيه؟
كيف تكون علاقاته الانتاجية؟
إن النظرية العالمية الثالثة تقضي بضرورة اختفاء كل نشاط اقتصادى يكون من نتائجه استغلال إنسان لانسان آخر. ولذلك تقتضي هذه النظرية إلغاء الأجرة وتحرير الانسان من عبوديتها واختفاء الربح، "ان الاعتراف بالربح اعتراف بالاستغلال". وإبطال مشروعية الادخار الزائد على الحاجة. إن الادخار الزائد على الحاجة هو حاجة إنسان آخر من ثروة المجتمع. ونتيجة لذلك تصبح التجارة الحرة نشاطا اقتصاديا لا ينسجم مع مقولات هذه النظرية. فالتجارة الحرة ظاهرة استغلالية لابد أن تختفي باختفاء نظام الاجرة والربح والادخار الزائد على الحاجة.
فما هو نوع النشاط الاقتصادي الذي يكون منسجما مع قواعد هذه النظرية الطبيعية؟
إن فهم هذا الموضوع يتطلب إلماما دقيقا بطبيعة نظام الملكية، وعلاقات الانتاج في المجتمع الجديد الذي يكون تحقيقه نتيجة لتطبيق مقولات النظرية العالمية الثالثة. إن التطبيق العملى لمقولات النظرية العالمية الثالثة يخلق مجتمعا تكون السلطة فيه بيد الشعب، يمارسها عن طريق مؤتمراته الشعبية ولجانه الشعبية. فالمؤتمرات الشعبية هي التي تقرر كل ما يتعلق بالسياسة العامة للمجتمع، واللجان الشعبية هي الي تنفذ هذه السياسة، وبذلك يتحقق الشكل الديمقراطى تطبيقا للمقولة الخالدة "لا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية" ويصبح الشعب، نتيجة لذلك، رقيبا على نفسه قادرا على معالجة كل انحراف عن شريعته الطبيعية عن طريق المراجعة الديمقراطية. ولكن الديمقراطية الحقيقية لا تكتمل إلا باكتمال المحتوى الديمقراطي الذي تكون فيه الثروة بيد الشعب. والسلاح بيد الشعب. وهذا المحتوى الديمقراطي يتحقق بتطبيق المقولات التي احتواها الفصل الثاني من الكتاب الأخضر، حيث تصبح الارض ملكا للجميع، ينتفع بها الجميع لاشباع حاجاتهم في حدود جهدهم الخاص، ودون استغلال غيرهم بأجرة أو بدونها، حيث يوزع الانتاج على من ساهم في تكوينه وفقا للقاعدة الطبيعية التي تقول "ان لكل عنصر من عناصر الانتاج حصة فى هذا الانتاج" وحيث تصبح حماية هذه المكاسب مسؤولية المجتمع نفسه.
هذه هي صورة المجتمع الجديد، بعد نجاح عملية التغيير. وفي ظل هذا المجتمع تكون العلاقات الاجتماعية مبنية على احترام حرية الانسان، وحقه في الحياة، وفي الانتفاع بكل الطيبات التي يمكن توفيرها من ثروة المجتمع دون استغلال غيره أو حرمانهم من حقهم في هذه الثروة.
إن تطبيق القواعد الطبيعية يخلق. نظاما اقتصاديا مثاليا أفضل من تلك الأنظمة الاقتصادية الموجودة فى العالم، وهذا النظام هو ما تسعى النظرية العالمية الثالثة لتحقيقه.
طبيعة نظام الملكية
تنقسم الملكية، في ظل النظام الجماهيري، إلى ثلاثة أنواع من الملكية: ملكية خاصة، و ملكية اشتراكية، وخدمة عامة. وأول ما ينبغي توضيحه هو معيار التفرقة بين هذه الأنواع من الملكية. لا يعتمد معيار التفرقة بين أنواع الملكية على إلغاء علاقة الأجرة، أي علاقة رب العمل بالعمال، ذلك لأن هذه العلاقة غير طبيعية، وهي علاقة مبنية على انقسام المجتمع إلى مالكين وغير مالكين، فالمالك هو رب العمل وغير المالك هو العامل وحيث ان الثروة هي ملك للجميع. لان الثروة بيد الشعب. فان انقسام المجتمع إلى مالكين وغير مالكين، إلى أرباب عمل وعمال، يصبح أساسا غير سليم في المجتمع الجماهيرى. فلا يوجد في المجتمع الجديد إنسان يعمل عند إنسان آخر.
ويدرك العمال في هذا المجتمع الجديد أن عملهم عند إنسان آخر يعني عبوديتهم، ولذلك يرفضون هذه، العبودية بعد قيامهم بالثورة وتحرير أنفسهم من تلك العلاقة الظالمة التي كانت بينهم وبين رب العمل.
لم يعد بمقدور الانسان في هذا المجتمع الجديد أن يصبح مقاولا يستخدم العمال مهما كان عددهم كأجراء عنده لتنفيذ مشروع معين، كمشروع تعبيد طريق، أو بناء مدرسة، أو غيرها من المشاريع، ذلك لان العلاقة التي كان هذا النوع من النشاط الاقتصادي يتم على أساسها لم تعد علاقة يعترف بها المجتمع.
إن ذلك الانسان المقاول إذا ما تقدم بطلب إلى أمانة المواصلات مثلا يطلب فيه اعطاءه نفس "الرخصة" التى كان يستخدمها لاستغلال غيره فى ظل مجتمع الاستغلال، سيكتشف أن كل النماذج التي كانت تستخدم لذلك الغرض قد مزقت، لانها نماذج خاصة بالاستغلال. فالقانون الذي ينظم العلاقة بين السادة والعبيد، بين أرباب العمل والعمال بين المقاولين والعمال الذي يتنازل فيه العبد عن جزء من إنتاجه لصالح سيده، لم يعد له وجود في هذا المجتمع الجديد.
إن القانون التجاري، الذي كان ينظم علاقة الاستغلال والذى كان يسمح بفتح الدكاكين والمتاجر الخاصة، التي تستخدم مصائد للمغفلين من المستهلكين، ليحقق التجار عن طريقها الأرباح دون القيام بعمل مثمر لصالح المجتمع هذا القانون الذى أنتجه الواقع الاستغلالي ووضعه المشرع لينظم الفساد الموجود، لم يعد له وجود في المجتمع الجديد، ولم يعد هناك من وجود لأولئك المغفلين من المستهلكين فى هذا المجتمع.
لقد كانت قواعد الاستغلال توضع كأساس للتعامل بين الناس، فالتجار يستغلون المستهلكين وفقا لقواعد الاستغلال، والمحتاج يضطر لشراء ما يساوي عشرة دنانير بعشرين دينار وفقا لقواعد الاستغلال التى نظمها القانون التجارى.
إن المجتمع الاستغلالى هو الذى أبرز هذه القواعد الظالمة، ووضع لها القوانين التى تعطي الحق في استغلال الآخرين لكل قادر على ذلك الاستغلال، وهو المجتمع الذي جاءت الثورة لتغييره من بين هذه المجتمعات. وهناك مجتمعات أخرى ما زالت تعاني من قواعد الاستغلال نفسها حتى وقتنا الحاضر في كل أنحاء العالم.
إن الثورة تقوم فى المجتمع الاستغلالى الظالم لتدمر هذا المجتمع، ولتأتي بقواعد سليمة وعلاقات جديدة. ويأتي القانون، بعد ذلك فينظم هذه القواعد والعلاقات، التى تقوم بين أناس أحرار. فالثورة تحرر مجتمع السادة والعبيد، مجتمع الاستغلال، مجتمع الطبقات، مجتمع الظلم والقهر، وتبني مجتمعا سليما. كل الناس فيه أحرار، ثم يأتي القانون لينظم هذا المجتمع الجديد.
الملكية الخاصة
إن الملكية في المجتمع الجديد أصبحت ملكية غير استغلالية. فالملكية الاستغلالية التي كانت موجودة قبل قيام الثورة لا تنسجم مع القواعد الطبيعية التى تنظم على أساسها حركة المجتمع الجديد.
إن الثروة تصبح في ظل هذا المجتمع ملكا لجميع أفراده، كل فرد من أفراد هذا المجتمع له نفس النصيب فيها، ولا يحق لاي فرد، مهما كان النشاط الاقتصادي الذي يقوم به، ومهما كان مقدار سعيه، أن يعتدي على حق غيره في تلك الثروة إن الثورة تدمر كل نوع من أنواع الملكية الاستغلالية.
فالذي يأخذ من الأرض، بدون حساب، ليستغل غيره عن طريق تشغيله لحسابه الخاص مقابل أجرة بحجة استصلاح الارض، أو انه صاحب الحق فيها لانه قد قام بذلك العمل المنتج، لم تعد حجته مقبولة بعد اكتشاف القاعدة الطبيعية التى تحكم تقسيم ثروة المجتمع "الارض ليست ملكا لاحد، ولكن يحق لكل واحد استغلالها للانتفاع بها شغلا وزراعة ورعيا مدى حياته وحياة ورثته في حدود جهده الخاص دون استخدام غيره بأجر او بدونه، وفي حدود إشباع حاجاته"
إن الارض في المجتمع الجديد تصبح ملكا للجميع، يحق لكل فرد من أفراد المجتمع أن يشتغل فيها بالزراعة هو وأولاده وزوجته دون أن يستخدم غيره، وله أن يزرع فيها ما يشاء كالقمح أو الشعير. وأن يغرس فيها الأشجار، وأن يربي فيها الحيوانات، فلا أحد يمنعه من ذلك. وهذه الملكية تعتبر ملكية مقدسة ولا يجوز لاحد أن يقترب منها.
هذا النوع من الملكية غير موجود في أي بلد من بلدان العالم، ففي النظام الرأسمالي توجد الملكية الفردية الاستغلالية.
وهي ملكية غير محدودة تبيح للفرد أن يستخدم غيره، وأن يستولي على كل نشاط اقتصادى يقدر عليه بحيث يصبح ملكية فردية له. أما في المجتمع الماركسى المضاد للرأسمالية، فان هذه الملكية محرمة على الأفراد. فالملكية للدولة أي للحزب الشيوعي الحاكم. والشعب كله عبارة عن عمال للحزب الشيوعي.
إن الملكية الخاصة المقدسة تظهر، لأول مرة في المجتمع الجديد. ولا أحد له حق المساس بها، وهي مرتبطة بشرط عدم استخدام الآخرين، وذلك لعدم إمكان وجود من يقبل أن يبيعك جهده الخاص في مقابل أجرة أقل من حقه في الانتاج. فمن حق كل فرد في هذا المجتمع الجديد أن يأخذ الارض اللازمة لاشباع حاجاته، وأن يعمل لنفسه لضمان حاجاته المادية. فأفراد المجتمع لهم نفس الحق في الارض. ولذلك تصبح الملكية ملكية خاصة قائمة على جهد أصحابها دون استغلال لجهد الآخرين، وتستخدم فقط لاشباع الحاجات المادية.
إن المجتمع الجديد يسمح للفرد بأن يختار نوع العمل الذي يفضله، والذي ينسجم مع مواهبه وقدراته، والذي يكون خاليا من استغلال غيره فإذا كان الانسان يعرف النجارة أو الميكانيكا فما عليه إلا أن يفتح محلا يشتغل فيه بجهده الخاص، ويصبح هذا المحل ملكية فردية. لا يتدخل فيها غيره، وله الحق في أن يستعين بأفراد أسرته، وإن لم يكن له حق استخدام غيرهم كالعبيد له.
هذه الملكية هـى ملكية جديدة تظهر لأول مرة، وهي ملكية فردية، فالملكية الخاصة المعروفة في العالم تبيح لصاحبها أن يستخدم غيره حتى يوسع ملكيته ليشبع حاجاته، ثم يستولي على حاجات الآخرين ويكتنزها. وهكذا نجد لدى الشخص الواحد حسابا في المصرف إلى جانب قيامه بنشاطات أخرى تزيد على حاجته، فهو فلاح ولديه سيارات يؤجرها لغيره، وهو تاجر ومقاول وغير ذلك. هذا النشاط الزائد على الحاجة ما هو إلا اكتناز زائد عن إشباع الحاجات، فبعد أن يشبع هذا الشخص حاجاته من مأكل ومشرب ومركوب يكون بامكانه أن يستولي على نشاط آخر بجهد الآخرين، وأن يستولي على أرض أخرى وما يتكدس لديه بعد ذلك من مال يشتري به سيارات، ومتاجر ومحلات حلاقة وغيرها. فكل من له نشاط من هذا النوع يكون فى الواقع قد استولى على جهد الآخرين، ويكون المال الذي تمكن من اكتنازه هو من حق الآخرين فالمال الذي تم اكتنازه هو حاجة إنسان آخر من ثروة المجتمع. وكل فرد له نفس الحق في استخدام ثروة المجتمع لاشباع حاجاته مثل بقية الناس، وما يزيد على إشباع الحاجات لا يعتبر ملكية خاصة له بل هو ملكية كل الناس توزع عليهم جميعا، لأن ما وراء إشباع الحاجات يبقى أخيرا ملكا لكل أفراد المجتمع بحكم القواعد الاشتراكية الجديدة.
الملكية الاشتراكية
إن إنتاج ما يشبع الحاجات المادية للانسان قد يؤدي إلى نمو الوحدات الانتاجية القائمة على عملية الانتاج. ونتيجة لذلك يصبح تعاون الافراد في العملية الانتاجية أمرا ضروريا. فالمصنع الذي بقوم بتوفير حاجة من حاجات المجتمع قد يحتاج إلى مائة عامل، وقد لا يستطيع عامل واحد بمفرده أن يدير هذا المصنع، وما دامت هذه هي طبيعة المصنع فلماذا يملكه فرد واحد ليقوم بتشغيل مائة عامل؟
إن العمال في المجتمع الجديد يدركون أن لهم نفس الحق كغيرهم في هذا المصنع، فالمصنع قد تم بنائه من ثروة المجتمع ولذلك لا يحق لأحد من أفراد المجتمع أن يحتكر ملكيته، فالارض التي شيد فيها المصنع ملك لكل أفراد المجتمع، والمواد التي بني بها المصنع ملك لكل أ فراد المجتمع، ولذلك يصبح المصنع ملكية اشتراكية، فهو مملوك للشعب،أما إنتاجه فهو يقسم على العمال الذين يعملون فيه وعلى الشعب نفسه، ذلك لأن المصنع يتكون من مواد خام وآلات وعمال، وهذه العناصر هي عناصر الانتاج في هذا المصنع. وحيث إن القاعدة الطبيعية في المجتمع الجديد، تقول بأن لكل عنصر من عناصر الانتاج حصة في هذا الانتاج، فإن الانتاج يقسم على هذه العناصر الثلاثة، فيأخذ العمال نصيبهم في هذا الانتاج، أما الباقي فانه يصبح نصيب الشعب، لان المواد والآلات تعتبر في التحليل النهائى جزءا من ثروة المجتمع، وهذه الثروة هي ملك لكل أفراد المجتمع، ولذلك يعود نصيب مادة الانتاج ونصيب الآلة إليهم جميعا. فآلات المصنع ومواد الانتاج قد تم شرائها من الميزانية العامة، أي ثروة المجتمع، فالشعب إذا هو الذي يملك المصنع. أما الذي يديره فهم العمال وهم سادته، وإنتاجه يعود اليهم وتأخذ المواد الخام حصتها كما تأخذ الآلة حصتها.
إن الملكية الاشتراكية إذن، تتعلق بهذا النوع من النشاط الاقتصادي، فأي مشروع اقتصادي كبير لا يستطيع أن يقوم به شخص واحد بنفسه يشترك فيه كل من يقوم بعملية الانتاج، فلا أحد منهم يعمل عند الآخر، ولا يعتبر أي واحد منهم رب عمل للآخر، فالجميع شركاء، وهذا النوع من الملكية هو الملكية الاشتراكية.
الخدمة العامة
هناك بعض النشاطات التي يقوم بها الافراد، والتى تعتبر ضرورية للمجتمع، ولكنها لا يمكن أن تقع في دائرة الملكية الفردية (الخاصة) ولا يمكن أن تقع في دائرة الملكية الاشتراكية أيضا. فالمدرس والطبيب والمهندس يقومون بخدمات يحتاج إليها المجتمع، وهذه الخدمات تقدم لجميع أفراد المجتمع، أى أنها تقدم كخدمة عامة في المجتمع الجديد. فالانسان الذي لا يريد أن يعمل في ملكية فردية، ولا يريد أن يشترك في المؤسسة الاشتراكية للعمل مع بقية المنتجين، من حقه أن يقدم خدمة عامة للمجتمع، ويضمن له المجتمع إشباع حاجاته نظير قيامه بهذه الخدمة، وذلك لان قيامه بهذه المهمة يتوقف علي توفير إشباع حاجاته من الانتاج المادى الذي يوفره غيره، من بقية أفراد المجتمع.
فالمدرس الذي يقوم بتعليم أولادنا لا يستطيع الاستمرار في هذه المهمة إلا إذا وفرنا له حاجاته المادية، فإذا امتنعنا عن توفير هذه الحاجات فاننا بذلك نجبره على البحث عن عمل اخر يشبع عن طريقة حاجاته المادية. والطبيب الذي يعالج مرضانا لا يستطيع القيام بوظيفته إلا إذا وفرنا له حاجاته المادية.
وكل من يكلفه المجتمع بتقديم خدمة عامة لجميع أفراده لا يستطيع أن يستمر في تقديم هذه الخدمة إلا إذا وفر له المجتمع حاجاته المادية، حيث يقدمها له إما في شكل راتب (معاش) يكفي لاشباع حاجاته، وإما في شكل عيني، كأن يقدم له المركوب والمأكل والملبس، أو يعين له مكان يأخذ منه حاجاته مقابل تأدية تلك الخدمة العامة. فالذي يقدم الخدمة العامة يأخذ نصيبه الذي يكفي لاشباع حاجاته من الملكية العامة للمجتمع، ذلك لان المجتمع له نصيب في الانتاج الذي يقوم به الأفراد نظير استعمالهم لعوامل الانتاج الني تعتبر ثروة اجتماعية يملكها جميع أفراد المجتمع.
إن الانسان في المجتمع الجديد إذا، إما أن يعمل لنفسه لضمان حاجاته المادية في ملكية فردية، أو أن يعمل شريكا في الانتاج في ملكية اشتراكية وإما أن يقوم بخدمة عامة للمجتمع، ويضمن له المجتمع حاجاته المادية. والمبدأ السائد في المجتمع الجديد يقضي بأن "الذي ينتج هو الذى يستهلك" ولكن أفراد المجتمع قد لا يكونون كلهم قادرين على الانتاج فقد يكون من بينهم من هو عاجز عن القيام بعمليه الانتاج، سواء كان هذا العجز دائما أم مؤقتا. ولذلك وجب استثناء هؤلاء الافراد من القاعدة العامة
"الذي ينتج هو الذي يستهلك".
الضمان الاجتماعي
إن العجزة الذين لا يستطيعون العمل لانفسهم لضمان حاجاتهم المادية، والذين لا يقدرون على أداء عمل مشترك ولا على القيام بخدمة عامة، هؤلاء يضمن المجتمع حاجاتهم فالضمان الاجتماعي في المجتمع الجديد يكون من حق كل من لا يقدر على أداء خدمة فردية، ولا يستطيع القيام بعمل مشترك، ولا يستطيع تقديم أية خدمة عامة للمجتمع.
إن حق الحياة مكفول لجميع الافراد في المجتمع الجديد. وحيث إن العاجز لا يستطيع إشباع حاجاته المادية بنفسه. فان ذلك يعني أن حرمانه من إشباع هذه الحاجات، كالحاجة إلى المأكل والمشرب سوف يؤدي إلى موته ويعني ذلك في النهاية حكما بالاعدام على ذلك العاجز بدون وجه حق.
إلا أن الانسان، ما دام قادرا على أداء عمل أيا كان نوعه، ولو كان ضغطة على زر معين، من حقه أن يعمل لكي يعيش، ومن واجب المجتمع أن يوفر له العمل الذي يقدرعليه. أما إذا كان هذا الانسان عاجزا تماما فإن من حقه أن يستريح، ومن واجب المجتمع أن يضمن له معيشته حتى النهاية.
شكل النظام الاقتصادي
هذا هو الشكل الذي يكون عليه المجتمع الاشتراكي الجديد. فالانسان في المجتمع الجديد إما أن يعمل لنفسه في ملكية خاصة ومقدسة ويشبع حاجاته بنفسه دون استغلال لغيره. وإما أن يعمل في ملكية اشتراكية ويكون شريكا في الانتاج ويشبع حاجاته من نصيبه فى هذا الانتاج. وإما أن يقوم بخدمة عامة للمجتمع، ويكفل له المجتمع إشباع حاجاته مقابل قيامه بهذه الخدمة. وإما أنه يكون عاجزا فيضمن له المجتمع حقه في الحياة كانسان.
وهذا النظام الاقتصادي، مبني على نظرة واقعية، وإنسانية، للحياة الانتاجية. وهو مؤسس على قواعد طبيعية ثابتة تبعد شبح الاستغلال وتحقق عدالة التوزيع وتضمن حق الأفراد في ثروة المجتمع.
لماذا تم اختيار هذا الشكل من أشكال النظام الاقتصادي؟
هناك عدة أشكال أخرى يمكن استعراضها ومناقشتها، وهذه الاشكال تختلف في منطلقاتها، وفي نتائج العمل بقواعدها عن شكل النظام الاقتصادي الذي يستنبط من النظرية العالمية الثالثة. فالنظام الاقتصادي الذي يكون نتاجا لتطبيق مقولات هذه النظرية يختلف جذريا عن غيره من الانظمة الاقتصادية السابقة له.
إن النظام الاقتصادي الماركسى، الذي يستند إلى نظرية ماركس، يحول الشعب كله إلى عمال يأخذون أجرة. ويعملون تحت سيطرة الحزب الشيوعي، وتكون فيه الملكية كلها للدولة، أي للحزب الشيوعي. والدولة هي التي تقوم بعملية التخطيط وتخصيص الموارد وتوجيه الانتاج وتحديد الحاجات.
ولا شك أن هناك عدة تطبيقات ماركسية ، ولكن هذه التطبيقات لاتخرج عن إطار الفكرة الأساس التي تنطلق منها الماركسية، وهي دولة العمال التي تعني عمليا دولة الحزب الشيوعي. فالعمال يتحولون إلى أجراء في هذه الدولة، ويتحول الانتاج إلى اعلى لكي تستخدمه الدولة فى تحقيق السياسة التي يحددها الحزب.
وتبدأ التطبيقات الماركسية عادة بالتأميم الذي يحول الملكية إلى ملكية للدولة، أي ملكية للحزب الشيوعي فالارض الزراعية مثلا، تضم إلى بعضها فى النظام الماركسي، وقد تسمى جمعيات تعاونية، أو مزرعة جماعية. وهذه المزارع الجماعية تكون بها إدارة على رأسها أحد أعضاء الحزب الشيوعي. وبالرغم من ذلك يقول الشيوعيون"إن الادارة منتخبة من قبل الفلاحين". ولكن الذي يحدث عمليا هو تدخل الحزب في نظام الانتخابات حتى يضمن السيطرة على هذه المزرعة، ويضمن بذلك تسخير الفلاحين للعمل مقابل الأجرة التي تعطى لهم في نهاية كل شهر أما إنتاج المزرعة فتأخذه الجمعية أو الدولة وتبيعه للشعب، وقد يباع ما تكون تكلفته خمسة دنانير بعشرة دنانير، وفي نهاية السنة يقدم رئيس الجمعية، وهو بطبيعة الحال أحد أعضاء الحزب، كشف الحسابات للحزب حيث يستطيع الحزب أن يتبين. بمراجعته لذلك الحساب مدى تقدم الجمعية وتطورها، وقد يتمكن رئيس هذه الجمعية، إذا ما أثبت جدارته، من ترشيح نفسه للجنة المركزية للحزب أو للمكتب السياسى للحزب.
من أين أتي كسب الجمعية؟
لقد أتى هذا الكسب من بيع إنتاج الجمعية للشعب. ولم يستفد الشعب من ذلك، بل الجمعية هي التي استفادت. وإذا كان المال بطبيعته للدولة، فإن الدولة هي التي استفادت، وهذا هو التبرير الذي يعطيه أنصار هذا النظام، فهم يقولون "إن هذا النظام هو أفضل من النظام الرأسمالي لان المكاسب في النظام الرأسمالي تذهب للطبقة الرأسمالية وحدها، أما في ظل هذا النظام فالمكاسب تعود للدولة التي تستخدمه لصالح الشعب نفسه" تستخدمه في إعداد السلاح وصناعة الأقمار الصناعية، وتمويل أبحاث الذرة، وبناء المدارس، وتعبيد الطرق وغيرها، وبذلك يعود للناس مرة أخرى.
ومهما كان الأمر، فان هذا النظام الاقتصادي يحول العمال في الجمعيات التعاونية إلى أجراء، يتنازلون عن انتاجهم للجمعية مقابل راتب معين يأخذه كل منهم، والجمعية تقوم ببيع إنتاجهم، ونتيجة لذلك نلاحظ أن هؤلاء العمال يتكاسلون، ويرفضون العمل، وذلك لانهم يأخذون راتبهم، سواء اشتغلو أم لم يشتغلوا، لان هذه الملكية هى ملكية عامة للدولة، وكأنهم بذلك يقولون"إن هذا الرزق هو رزق الحكومة". فالعمال كلهم في ظل هذا النظام لا يعملون إلا خوفا من الحكومة، فاذا كانت عين الحكومة تراقبهم يخافون فيعملون، أما إذا تركتهم لحالهم فانهم يتركون العمل لان راتبهم مضمون.
إن العمال في ظل هذا النظام قد تقاعسوا عن العمل بعد أن تحولت الجمعية إلى بيروقراطية، وبعد أن صاروا ينتجون للدولة، بالرغم من كون الانتاج يعود إليهم في النهاية بشكل غير مباشر. فالشعور العام عند العمال بأن الانتاج يعود للدولة، يجعلهم يتقاعسون عن الانتاج، إذ يتحول العمال إلى موظفين في الدولة، وعندما يتحول العامل إلى موظف يميل عادة إلى الكسل، ويهرب من العمل لان راتبه مضمون.
ولا تجدى العقوبات التي تفرضها الدولة لمعالجة هذا الوضع نفعا،وذلك لعدم إمكان استمرار رقابة الحكومة على العامل. فالعامل يعمل مادامت هذه الرقابة موجودة، ويتوقف عن العمل عند اختفاء هذه الرقابة. لذلك نجد ظاهرة تكاسل العمال وتقاعسهم عن الانتاج، ظاهرة ملحوظة في ظل هذا النظام.
وحيث إن الدولة الماركسية قد فشلت في معاقبة العمال. وحيث إنها لا تستطيع أن تتراجع عن فكرة المزارع الجماعية، فان هذه الدولة قد حاولت إيجاد نوع من حوافز الانتاج، كأن تعطي كل عامل نصف هكتار من الارض ليكون ملكا خاصا له ولأسرته إذا ما قام بالعمل وأنتج لصالح الدولة، ولذلك فان البلدان الماركسية بدأت تأخذ بهذا النظام، لأنها جربت المزرعة الجماعية فوجدت أن العمال يتقاعسون عن الانتاج لانهم أجراء يتبعون الدولة.
والمصنع لا يختلف نظامه عن نظام المزرعة، فالعمال فى المصنع أجراء يرأسهم مجلس تابع للحزب. ويزعم أنصار هذا النظام أن ذلك المجلس قد كونه العمال، بينما هو في الواقع قد يكون بمعرفة الحزب، فرئيس المجلس لابد أن يكون من أعضاء الحزب حتى تتم سيطرة الحزب عليه. وبهذه الطريقة تتم سيطرة الحزب على جميع مرافق الدولة، من المزارع والمصانع إلى المدارس والبلديات ودوائر المراقبة والادارة، بالاضافة للجيش والشرطة. فالحزب هو الذي يعد قوائم المرشحين في كل مرفق. ويترك للناس حرية اختيار مجالسهم من بين المرشحين في تلك القوائم. والحقيقة التي ينبغي أن تذكر. هي أنه لا يوجد أحد في هذا النظام بدون عمل، ولكن لا يوجد كذلك شخص غنى في نفس الوقت. فكل الذين يعملون إنما يعملون للحصول على أكلهم وشربهم على الأكثر، أما السكن والكهرباء والمواصلات وغيرها من الحاجات الضرورية فتوفرها الدولة مقابل أجرة تؤخذ من الراتب.
إن المصنع الذي يعمل وفقا لهذا النظام لا يتقدم، وذلك لان العمال فيه أجراء يتنازلون عن إنتاجهم للدولة مقابل أجرة.
إن النظام الماركسى تقتله البيروقراطية. فالعمال لا يشتغلون بكل طاقاتهم لانهم يتنازلون عن إنتاجهم للدولة مقابل أجرة. كما أن أفراد المجتمع الذين يعملون فى القطاع العام يشتغلون لحساب الدولة، وليس لديهم باعث على الانتاج، ومن هذه الناحية فإن هذا النوع من النظام الاقتصادي مرفوض لأنه لا يحقق وفره في الانتاج. فالعمال عندما يشتغلون في ظل هذا النظام، لا يهمهم إلا المحافظة علي رواتبهم فقط، دون نظر إلى تقدم الانتاج أو تأخره.
وإذا ما أردنا أن نبحث عن الاسباب الي أدت إلى هذا الوضع في النظام الماركسي، فاننا نجد أن السبب المباشر في انعدام الحافز وعرقلة الانتاج يرجع إلى نظام الملكية (ملكية الدولة) وعلاقات الانتاج، الذي حول أفراد المجتمع كلهم إلى أجراء، وأوجد الادارة البيروقراطية.
أما النظام الرأسمالي، فإن نظام الملكية و علاقات الانتاج فيه لا يختلف جوهريا عن النظام الماركسى، فالاشياء التي تملكها الدولة في المجتمع الماركسي يملكها فرد في المجتمع الرأسمالى.
ويقوم الرأسمالي.. رب العمل الذى يملك المزرعة أو المصنع بتشغيل العمال مقابل أجرة يتفق عليها وفقا لقوانين السوق التى تجعل من العامل سلعة تباع وتشترى. ويتنازل العمال عن إنتاجهم لذلك الرأسمالي الذى قام بتشغيلهم مقابل تلك الاجرة التي يدفعها لهم في نهاية المدة المتفق عليها، ثم يقوم الرأسمالي ببيع إنتاج العمال لكى يحقق الارباح لمصلحته.
وإذا ما حللنا تلك العملية التي يقوم بها الرأسمالي فاننا نجد انها تنحصر في استغلال جهد العمال وحاجتهم إلى العمل. وعن طريق هذه العملية الاستغلالية تنحرف القاعدة السليمة "إن الذي ينتج هو الذي يستهلك" عن طبيعتها. وهذا العمل الذي يقوم به الرأسمالي لا يستند إلى حق طبيعي ولا يوجد له أي مبرر.
إن الرخصة التي يستند إليها الرأسمالي، والتي تمكن من الحصول عليها بعملية مناقصة بينه وبين الرأسماليين الآخرين، هى التي تمكنه من سرقة جهد العمال الذين يستخدمهم لتحقيق الارباح. وذلك باعطائهم أجرة لا تساوي إنتاجهم، فإذا كانت ساعة العمل تساوي دينارا فان ما يعطيه الرأسمالي للعامل مقابل جهده هو أقل من ذلك، حيث إن الرأسمالي يقوم بعملية حسابية. يتمكن عن طريقها من استغلال العامل، فالربح الذي يحققه الرأسمالي نتيجة لتلك العملية الحسابية هو من حق العمال لأنه أستقطع من جهدهم وعرقهم، وهذا الربح هو الذي تمكن الرأسمالي عن طريقه من تكديس الثروة وتوسيع حدود ملكيته وتركيز سيطرته على علاقات الانتاج.
وقد تصل سيطرة الرأسماليين على علاقات الانتاج إلى حد يقف فيه العامل ضد الثورة التي قامت من أجل تحريره وتمكينه من السيطرة على حاجاته، وأخذ حقه في الانتاج. وهذا مثلا ما حدث فى تشيلى، فلقد تمكنت المخابرات الأمريكية من إخراج المغفلين من الناس هاتفين بسقوط (اللندي) الذي وزع عليهم ثروة الرأسمالية الاستغلالية.
وقد يلجأ الرأسماليون، في سبيل تحقيق هذه السيطرة، إلى كثير من الحيل كأن يتبرعوا للجمعيات الخيرية. أو أن يقوموا برشو أصحاب النفوذ، أو بمساعدة العمال أنفسهم فى الاعياد والمناسبات.
وقد يقوم الرأسماليون، نتيجة لوطأة الإحساس بخطر الثورة الاجتماعية، بتهريب أموالهم إلى الخارج، إلى المناطق التي وطد النظام الرأسمالي فيها دعائمه وأركانه. وهذا هو الوضع الذي واجهته الثورة الاجتماعية في ليبيا، حيث وجدت أن الرأسماليين (الطيبين)! قد قاموا بتهريب أموالهم إلى بريطانيا وإيطاليا وغيرها من الدول.
إن الاموال التي تمكن الرأسماليون من تكديسها وتهريبها ووضعها في حساباتهم في الخارج، قد تكونت من جهد العمال فى كدهم وعرقهم. فالعمال هم الذين قامو بالانتاج، وهم الذين قاموا ببناء المدارس وتعبيد الطرق وبناء المستشفيات، وغيرها من الأشياء النافعة، ولم يفعل الرأسمالي غير شيء واحد هو جني الأرباح من تلك المشاريع التى تم إنجازها عن طريق العمال. ولذلك تعتبر الاموال التي كدسها الرأسماليين حقا للعمال أنفسهم وليس للرأسماليين أي حق فيها.
إن من حق العمال أن يأخذوا حقهم كاملا في الانتاج، ولا يتحقق ذلك إلا بتغيير وضع العمال ليصبحوا منتجين شركاء في الانتاج فتنتهي علاقة الاجرة وعلاقة الربح، لتحل محلها علاقة جديدة هي العلاقة بين الشركاء في الإنتاج الذي يقسمونه بينهم، وفقا للقاعدة الطبيعية في توزيع الانتاج التي تقضى بأن "لكل عامل من عوامل الانتاج حصة في هذا الانتاج" وتحول العامل من عبد ينتج لصالح سيده إلى إنسان حر ينتج لصالح نفسه وهو بعد ذلك حر في أن يتنازل بارادته عن جزء من إنتاجه لكي يستخدمه فيما يحتاج إليه من تسليح وتوفير للخدمات الصحية والمواصلات وغير ذلك من الحاجات العامة للمجتمع. إن هذه القاعدة إذا ما طبقت في المجتمع. فلن يكون هناك مقاول على الاطلاق، وسيختفي كل أثر لنظام الارباح، ونظام الاجرة. حيث ينتهي وجود أرباب العمل، ويتحرر الناس بتحرير حاجاتهم من سيطرة الآخرين.
إن قيام الثورة الاجتماعية إذا، لم يتوقف على فهم العمال ووعيهم. فعندما يفهم العمال في بلاد العالم كافة أن العلاقة القائمة بينهم وبين رب العمل هي علاقة فاسدة وأنها تنتج نظاما اجتماعيا واقتصاديا فاسدا يكرس الاستغلال ويحول الانسان إلى عبد ينتج لمصالح السادة الرأسماليين. وحين يدرك العمال أن نظام الملكية وعلاقات الانتاج عندما تنحرف عن الوضع الطبيعي المنسجم مع القواعد الطبيعية في الانتاج والتوزيع والعامل الذي يكمن وراء عملية الاستغلال فانهم يقومون بالثورة محطمين كل أساس فاسد يعتمد عليه نظام الملكية وعلاقات الانتاج.
وعندما يدرك أفراد المجتمع، كل الناس أن أصحاب العمارات لم يتمكنوا من بناء تلك العمارات إلا باستخدام ثروة المجتمع، متمثلة في مواد البناء اللازمة لعملية البناء واستغلال جهد العاملين، وحين يدركون أن صاحب العمارة ليس له حق في هذه العمارة أكثر من حق غيره فيها الذي لا يتجاوز حاجته إلى المسكن، لان ثروة المجتمع ينبغي أن تقسم على عدد سكانه. وحين يدركون أن من حق كل فرد أن يكون مالكا لسكنه، سوف يقومون بالثورة مطالبين بأن يكون "البيت لساكنه" وأن تكون ثروة المجتمع ملكا لجميع أفراده، وأن تكون "لارض ليست ملكا لاحد" هي قاعدة نظام الملكية وعلاقات الانتاج، وسيطالبون بتمزيق كل القوانين التي تبيح عملية الاستغلال والسرقة.
وحين يدرك أفراد المجتمع أن من حق كل فرد أن يشبع حاجاته المادية من ثروة المجتمع وأن ما زاد عن هذه الحاجات يعتبر تعديا على حاجة إنسان آخر من ثروة المجتمع، وأن ذلك الوضع سوف يؤدي إلى عودة نظام الاستغلال، وأن ذلك لا يحدث إلا في غياب القواعد الطبيعية فى الانتاج والتوزيع، تكون الثورة الاجتماعية التى تحدث هي الثورة التي تعتمد على هذه القواعد الطبيعية في عملية التغيير.
ان الذى يحدث فى المجتمعات الاستغلالية هو قيام المستغل بأخذ حصته ليشبع منها حاجاته وأخذ حصة الآخرين لادخارها وتكديسها واعتبارها ملكا له يستخدمه في استغلال الآخرين..ولذلك يعتبر نظام الملكية في المجتمع الاستغلالي نظاما ظالما ومرفرضا، ومن حق أفراد المجتمع أن يقوموا بالثورة الاجتماعية ضده لتحطيمه، وإعلان أن "الارض ليست ملكا لاحد" وأن من حق كل فرد أن يستغل هذه الارض بجهده الخاص لاشباع حاجاته دون استغلال لجهد غيره.
هذا التحليل يستند إلى ما جاء في الكتاب الأخضر، وهو تحليل للمعطيات الموجودة في العالم، وهذه المعطيات أدت تلقائيا الى اكتشاف أن الارض ليست ملكا لأحد. وأن من حق كل أفراد المجتمع أن ينتفعوا بها لاشباع حاجاتهم دون استغلال لغيرهم، ودون تمكين غيرهم من استغلالهم، وأن الارض لابد أن تعود لاصحابها، وأن يتم توزيعها بحيث يأخذ كل فرد من أفراد المجتمع منها ما يستحقه. وكل وضع اجتماعي يتناقض مع هذه القاعدة هو وضع لابد من الثورة عليه.
إن الثورة هي رفض للظلم والباطل، فعندما نكتشف أن المجتمع قد انقسم إلى أغنياء وفقراء، مالكين وغير مالكين، يعني ذلك أن الغنى قد صار غنيا على حساب هؤلاء الفقراء. ويعنى ذلك أن الثروة في هذا المجتمع غير مقسمة بالتساوي على أفراده. فنجد من يكون نصيبه صفرا، ونجد من يكون نصيبه مائة وحدة. كما أن فرص العمل فى المجتمع لن تكون متساوية، حيث نجد من أخذ مائة فرصة عمل، ومن لا فرصة له على الاطلاق، ويصبح وضع نظام الملكية وعلاقات الانتاج بذلك وضعا استغلاليا ظالما تجب الثورة ضده.
الحل الطبيعي
لا يوجد حل بديل لهذا الوضع الاستغلالي الظالم إلا حل واحد، وهو الذي يضع، ثروة المجتمع في موضعها الطبيعى، حيث تقسم على جميع أفراده. وبعد ذلك يستطيع كل فرد من أفراد هذا المجتمع أن يطور إمكاناته ويطور حصته. فإذا كان نصيبك العادل من ثروة المجتمع هو خمسة هكتارات. وكان نصيبى أنا أيضا خمسة هكتارات، وكان إنتاجك عشر وحدات، وكان إنتاجي ست وحدات فقط نتيجة لكسلي، فإن التفاوت بيننا ليس ناتجا عن استغلال أى واحد منا لجهد الآخر، وقد يعتبر ذلك قضاء وقدرا مسلما به، ولذلك يحق لكل واحد منا أن يحتفظ بانتاجه ولا يجوز له، في نفس الوقت، أن يقوم بعمل من شأنه أن ينقص نصيب الاخر من ثروة المجتمع، وهي الخمسة هكتارات.
لابد أن تفهم الجماهير الأسباب التي أدت إلى ظهور الكتاب الاخضر الذي يعلن أن "الارض ليست ملكا لاحد". وعليها أن تفهم أن الحل هو تحرير حاجات الانسان من سيطرة الآخرين، وأن يملك كل إنسان حاجاته من مركوب ومسكن ومعاش ومواد استهلاكية. وأن تفهم لماذا تكون الثورة ضرورية عندما تدفع الجماهير مرغمة ثمنا مضاعفا للحصول على هذه الحاجات، ولماذا تكون التجارة الحرة ظاهرة استغلالية وعملا غير إنتاجي. ولماذا تجب تصفية التجارة الحرة والعلاقات الاقتصادية التي تجعل أرباب العمل يكسبون من جهد غيرهم، ولماذا لا ينبغي لاي إنسان أن يبني أكثر من منزل واحد لسكناه ولسكنى أسرته، ولماذا لا يصح بناء المنازل وتأجيرها، فالارض ملك لكل أفراد المجتمع، ويحق لكل واحد منهم أن يقوم بنشاط اقتصادي لاشباع حاجاته دون استغلال لغيره.
ان على اللجان الثورية أن تعي هذه الحقائق وتفهمها وتعمل على إيصالها للجماهير إذا ما أرادت للثورة الاجتماعية أن تنتصر. وإن فى مقدمة مهام اللجان الثورية ترشيد اللجان الشعبية، وأمانات المؤتمرات الشعبية، وتحريك المؤتمرات الشعبية، وتحريض الجماهير على ممارسة السلطة. ولا يمكن للجان الثورية أن تقوم بهذا الواجب على أكمل وجه إلا إذا فهمت هذه الافكار الثورية فهما صحيحا. وتحولت إلى قوة عقائدية قادرة على قيادة الجماهير نحو الزحف المقدس، الذي يحقق سلطة الشعب ويبني المجتمع الاشتراكي الجديد على أساس من الحرية والعدل في كل مكان من العالم.