المجتمع الاشتراكي الجديد
مقدمة:
إن من حق الانسان أن يتساءل عن طبيعة المجتمع الاشتراكي الجديد الذي تبشر به النظرية العالمية الثالثة، فهذه النظرية تحرض كل القوى من الجماهير الكادحة، العمال والطلاب والفلاحين والجنود وغيرها من القوى التى يقع عليها الاستغلال، لتقوم بالثورة الشعبية من أجل تحقيق الاشتراكية، وبناء المجتمعات الخالية من الأمراض السياسية والاجتماعية. ولذلك يصبح من حق كل إنسان، سواء كان من تلك القوى أم من غيرها، أن يتساءل: ما هذا المجتمع الاشتراكي الجديد الذي تدفع، المجتمعات للتضحية من أجل تحقيقه؟
طبيعة المجتمعات التقليدية:
ولكي نتعرف على طبيعة المجتمع الاشتراكى الجديد، لابد لنا قبل ذلك أن نعرف ما هي طبيعة المجتمعات الانسانية القائمة حتى الآن؟ لابد لنا أن نعرف، على وجه التحديد. ما هي طبيعة مجتمعات الأستغلال؟ سواء ما كان منها ذا قطاع واحد، عام أو خاص، أو ذا قطاعين أو أكثر، قطاع عام وقطاع مختلط. . تلك المجتمعات القائمة على جهد الاجراء وعرقهم.
ما هو المجتمع الاستغلالي؟ وما هي طبيعته؟
وما هو المجتمع الاشتراكي الجديد؟ وما هي طبيعته؟
ولابد أن تكون الصورتان واضحتين حتى تسهل المقارنة بينهما. فقد يفضل الانسان المجتمعات القائمة على المجتمع الاشتراكي الجديد إذا كانت المقارنة في صالح المجتمعات القائمة . أما إذا كانت المقارنة تؤكد أن المجتمع الجديد أفضل من تلك المجتمعات، فان الثورة على المجتمعات القائمة تصبح واجبة. لماذا لا نقوم بزحف جماهيرى فى كل مكان من العالم من أجل الوصول إلى ذلك المجتمع؟
يعتقد كثير من الناس أن التحول الاشتراكي الذي تحرض عليه ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة عن طريق ثورة الطلاب والعمال والفلاحين والكادحين يمكن أن يكون في غير صالحهم. ويجهل كثير من الناس، الأغنياء منهم خاصة، طبيعة المجتمع الاشتراكي الجديد. ويتوهمون أن مصالحهم ومصالح أولادهم وأولاد اولادهم جيلا بعد جيل لا تتحقق إلا في ظل مجتمع الاستغلال.. وذلك هو الضلال بعينه، وهو ما نريد اثباته.
يظهر الاستغلال فى كل نشاط اقتصادى يقوم به الانسان من أجل السيطرة على ماهو أكثر من حقه من ثروة المجتمع. فالانسان قد يسعى لبناء عمارة أو عمارتين. وقد يرغب.فى بناء ألف عمارة فى حين أن نصيبه العادل من ثروة المجتمع لا يتجاوز البيت الواحد الذى يكفي إشباع حاجته إلى السكن، فلماذا يقوم بذلك؟ لماذا لا يقف عند الحد الذي يعادل حقه في ثروة المجتمع؟ إن الانسان يكدح من أجل البقاء. وانطلاقا من هذا المبدأ يسعى الانسان لتحقيق ضمانات لحياته. فالانسان في أي مكان من العالم يتعرض للموت. وحيث إن بقاء الانسان على قيد الحياة لا يكون إلا بإشباع حاجاته، فانه يسعى لكي يبعد عن نفسه شبح الموت بتحقيق تلك الحاجات اللازمة لبقائه. كما أن سعادة الانسان لا تتحقق إلا بإشباع حاجاته ولذلك يسعى الانسان إلى الحصول على حاجاته لكي يعيش سعيدا في النهاية.
ان الجائع يعمل لكي يشبع وبعد أن يشبع يصبح سعيدا. والعطشان يعمل لكي يشرب، وبعد أن يشرب يصبح سعيدا. والمتعب يعمل لكى يرتاح وحين يرتاح يصبح سعيدا. وهكذا، لا يشعر الانسان بالسعادة وهو جوعان أو عطشان، أو متعب، أو مستعبد، أو عليه أي ضغط من الضغوط المادية أو النفسية. فالجوع والعطش والتعب وجميع الضغوط الأخرى تعتبر قيودا على سعادة الانسان، ولذلك لابد له من كسر تلك القيود حتى يتحرر ويحقق السعادة.
إن الذي يبني عمارة، أو يفتح دكانا للتجارة أو الذي يستحوذ على قطعة أرض صالحة للبناء، أو للزراعة. ثم يستحوذ على قطعة ثانية وثالثة أو ما استطاع إلى أكثر من ذلك سبيلا، إن الذي يفعل ذلك ينطلق من غريزة حب البقاء، وسعيا وراء تحقيق السعادة. فتكدس الثروة لا يعد هدفا مطلوبا في حد ذاته، وإنما وراء ذلك هدف أبعد هو تحقيق البقاء والسعادة.
هل يعد الانسان،الذي يسعى لتحقيق بقائه وسعادته، مجرما؟
لا يعد الانسان مجرما لمجرد كونه يسعى لتحقيق بقائه وسعادته، فذلك حق مشروع له بحكم طبيعته. ولكن ذلك لا يعني نفس الوقت أن من حق الانسان أن يتعدى على بقاء وسعادة غيره. فإذا كان من حق إنسان ما أن يعيش سعيدا. فان من حق غيره أن يفعل ذلك، ولكن مجتمعات الاستغلال تنحرف بهذا المبدأ عن طبيعته لينحرف سعي الانسان عن قاعدته الطبيعية.
إن الانسان قي ظل مجتمع الاستغلال يترك منفردا. فالمجتمع لا يوفر له من الضمانات ما يجعله قادرا على إشباع حاجاته لتحقيق بقائه وسعادته ولذلك يسعى الانسان بمفرده لتحقيق تلك الضمانات عن طريق تكديس الثروة التي تتراكم على حساب نصيب الاخرين من ثروة المجتمع.
إن القوانين التي تحكم حركة مجتمع الاستغلال مبنية على هذه النظرة، وهي تعتبر كل عمل يقوم به الانسان من أجل تكديس الثروة عملا مشروعا ولذلك لا يمكن تجريم الانسان الذي يسعى لتحقيق ضمانات حياته عن طريق تكديس الثروة. وإذا ما حدث أن أحيل ذلك الانسان، الذي استحوذ علىارض للبناء أو للزراعة اكثرمن حاجته، إلى المحكمة متهما بجريمة السرقة مثلا، فإن هذه المحكمة تبرئه من تلك الجريمة التي نسبت إليه وفقا للقوانين السائدة في مجتمع الاستغلال.
إن الذي يأخذ من ثروة المجتمع العامة لمصلحته الخاصة لا يعد مجرما وفقا للقوانين السائدة فى مجتمعات الاستغلال، فهذه القوانين تؤيد ذلك الاتجاه، ولا ترى فيه عيبا من العيوب، ولا تعد الانسان الذي يسلك هذا الطريق مجرما أو منحرفا.
إن الذى يستحوذ على أرض صالحة للبناء أكثرمن حاجته، والذي يستحوذ على أرض صالحة للزراعة أكثر من القدر اللازم لاشباع حاجته والذى يستولي على عقارات أخرى أكثر من حاجته، والذي يقوم بأى نشاط اقتصادي من أجل السيطرة على نصيب أكثرمن حقه في ثروة المجتمع ينطلق من فلسفة تحقيق ضمانات المعيشة. وهولا يفعل ذلك غالبا من أجل الاستغلال في حد ذاته، وإن كانت نتيجة نشاطه الاقتصادي الحر تؤدى إلى ذلك الاستغلال.
حل المعضلة:
إن الاشتراكية التى تنادي بها النظرية العالمية الثالثة، تضع حدا للاستغلال وتأتي بالحل الذي من شأنه أن يقضى على تلك المعضلة بحيث يصبح الاستغلال فاقدا لمبرر وجوده. فإذا كانت القضية تتمثل في كون الانسان لا يحقق ضمانات معيشته إلا بالاضطرار لاستغلال غيره، فيستحوذ على ما هو أكثر من حصته من ثروة المجتمع، عن طريق ما يسيطر عليه من فرص العمل التي هي من حق الآخرين وحرمانهم منها فإن الاشتراكية التى تنادي بها النظرية العالمية الثالثة تأتي بالحل الذي يجعل المجتمع الاشتراكى الجديد كفيلا بتوفير ضمانات المعيشة لكل أفراده. فالانسان عندما يسأل عن السبب الذي دعاه إلى بناء ما زاد عن حاجته من عمارات، أو عن قيامه بنشاط اقتصادي من أجل تكديس الثروة وحرمان الاخرين منها يجيب عادة، بأن قصده من وراء ذلك ليس استغلال الآخرين وإنما توفيرالضمانات اللازمة لمعيشته ولمعيشة أولاده حتى لا يكون محتاجا ولا يكون أولاده محتاجين لغيرهم، وهو حين يفشل في توفير الضمانات اللازمة من مصدر يحاول توفيرها من مصدرآخر وبذلك يكون الاستغلال نتيجة غير مقصودة فى حد ذاتها، وهو يبقى ويزول ببقاء أو زوال الأسباب التى أدت إلى وجوده. هذه هي المعضلة التى تأتي الاشتراكية الجديدة لحلها.
إن المجتمع الاشتراكي الجديد وهو يؤسس على مبدأ اشباع الحاجات وفق قواعد طبيعية ينهي هذا الاستغلال حيث يضمن هذا المجتمع حاجات أفراده، فلا يوجد بعد ذلك مبرر للنهب والسلب والاستغلال والاستحواذ على قدر أكبر من حاجات الإنسان وحصته في الثروة العامة.
يشتكي كثير من المستهلكين من أحوال المعيشة وغلائها، فالانسان في أي مكان في العالم لا يريد أن تكون المواد الاستهلاكية غالية الثمن. وما دام الانسان يشتكي من غلاء المعيشة فليس هناك من حل إلا بزيادة القدرة الشرائية لذلك الانسان حتى يستطيع الحصول على حاجاته. ويحاول الانسان دائما زيادة قدرته الشرائية حتى يتمكن من شراء ما يحتاج وأسرته إليه من سلع. وقد يحاول شراء وتخزين مايزيد عن حاجة عدد من الأسر مدفوعا بغريزة حب البقاء. فإذا كان في مقدور المجتمع الاشتراكي الجديد أن يقدم حلا لهذه المعضلة، فانه بذلك يقدم حلا عمليا ومثاليا للبشرية كلها، لأغنيائها وفقرائها. منهيا بذلك كل أسباب الجشع والطمع والنهب والاستغلال. إذ تصبح معيشة الانسان الغنى الذي يجمع المال ضمانا لمعيشته، مضمونة وفقا لقواعد الاشتراكية الجديدة.
ما هو غلاء المعيشة الذى يشتكي منه الانسان في كل بلاد العالم؟
إن غلاء المعيشة عبارة عن نقص في القدرة الشرائية التي يستطيع الإنسان عن طريقها شراء حاجاته. فحين ترتفع أسعار المواد الغذائية والملابس والمواصلات وغيرها من المواد الضرورية الاستهلاكية تنقص القدرة الشرائية، ويصبح ما يحصل عليه الانسان من حاجات أقل مما كان يحصل عليه قبل ارتفاع الأسعار؟ فما هو سبب نقص القدرة الشرائية؟ وكيف يمكن علاجه؟ إذا عرف السبب وأمكن العلاج تحققت الجنة على وجه الارض. إن السبب يكمن في وجود الاستغلال فحين تقوم بشراء بدلة وتجد أن ثمنها مرتفع بالنسبة لقدراتك الشرائية، وحين تشتكي من ارتفاع ثمن هذه البدلة فانما تشتكي من الاستغلال. فالبدلة لا يكون ثمنها مرتفعا إلا لكون تكلفة إنتاجها باهظة. أو لكون الذي يبيعها لك يستغلك و يطلب ثمنا مضاعفا لتكلفة إنتاجها، وهو حر في مطالبتك بذلك الثمن وفقا لقواعد الاستغلال، لأنه يبتغي تحقيق الربح عن طريق ما يستطيع سحبه من قدرتك الشرائية.
إذا تمكنت النظرية العالمية الثالثة من حل هذه المشكلات، وذلك عن طريق إيجاد صورة لمجتمع اشتراكي جديد تنتهي فيه كل أسباب الاستغلال، فإنها بذلك تكون قد نسفت كل النظريات التي سبقتها، والتي فشلت في إيجاد حل لمشاكل الانسان.
إن النظرية العالمية الثالثة بتطبيقاتها التي تنطلق من الأسس الموجودة في الكتاب الأخضر تؤدي بكل تأكيد إلى حل حقيقي ونهائى لتلك المشكلات التي يعاني منها الإنسان، وخاصة ما يتعلق منها بالمشكل الاقتصادي.
ولتوضيح ذلك نفترض أن بلدا ما يوجد به مصنع. وأن هذا المصنع يبيع إنتاجه لأفراد المجتمع. أي للمستهلكين وأن هذا المصنع ملكية عامة لأفراد المجتمع، إذ أنه ينتمي إلى القطاع العام، وان هذا المصنع، يبيع إنتاجه بثمن مرتفع حتى يحقق الربح..شأنه شأن القطاع الخاص. هذا الربح لا يتحقق إلا على حساب المستهلكين من أفراد المجتمع، فأين يذهب هذا الربح؟ يمكن للمصنع الادعاء بأن هذا الربح يعود إلى الميزانية العامة، وقد يزيد المصنع من إنتاجه وقد يعمل على تحسينه، وقد ينشئ مصنعا أخر، وقد يوسع المصنع نشاطه ويحول أرباحه للميزانية العامة لتقوم بنشاط عام أو تقدم خدمات للمواطنين في الصحة أو التعليم او الدفاع أو المواصلات أو غير ذلك من الخدمات التي يحتاج إليها أفراد المجتمع.
هذه العملية تعني. وفقا للحل الاشتراكي. أننا نأخذ من الناس بطريقة مباشرة لكي نعطيهم بطريقة غير مباشرة. والحل الاشتراكي الجديد هو الذي يفضح هذه العملية. إذا كان هذا المصنع يهدف إلى خدمة المجتمع وذلك عن طريق بيع ما ينتجه بثمن مرتفع حتى يتوسع. ويتمكن من تحسين إنتاجه وتوفير الأموال للميزانية العامة. وتقديم الخدمات لأفراد المجتمع. فانه يحقق ذلك كله عن طريق ما يتكبده المستهلك من نفقات في سبيل الحصول على إنتاج هذا المصنع.
ان الحل الصحيح الذي يصلح لأن يكون بديلا لتلك الدورة غير المجدية هو ألا نأخذ أصلا من الناس شيئا لماذا؟ لأننا إذا لم ناخذ من الناس شيئا وحافظنا على ذلك وجعلناه قاعدة ثابتة، نجد أن المستوى الاقتصادى للناس قد تحسن، وتصبح القدرة الشرائية اللازمة لاشباع حاجاتهم متوفرة عندهم فيصبح واجب المؤسسات الاشتراكية زراعية كانت أم صناعية في المجتمع الاشتراكي الجديد هو الاستمرار فى الانتاج.
قد يضطر الانسان إلى أن يسرق وينهب خوفا على حياته وضمانا لبقائه، فما أسباب هذا الخوف؟ يرجع السبب في ذلك إلى صعوبة الحصول على الحاجات، فالانسان يجد صعوبة في الحصول على حاجاته ولذلك يأخذ التدابير كافة، التي تمكنه من البقاء حتى لو اضطر إلى السرقة والنهب والاستغلال.
ان الاشتراكية الجديدة تحرر تلك الحاجات، بحيث يصبح الحصول عليها سهلا، فيرتاح الانسان من التعب والجشع والاستغلال لتكوين الثروة التى يمكن بوساطتها الحصول على تلك الحاجات. فعندما يكون الحصول على الحاجات سهلا ليس هناك إذن داع لكل عمليات الاستغلال التى يمارسها الانسان حتى يصبح غنيا على حساب غيره.
إن الدافع الحقيقي للانسان الذي يكدح لكى يكون غنيا، هو الحصول على ضمان لمعيشته، وعندما تصبح معيشته مضمونة في المجتمع الاشتراكي الجديد تنتهى المشكلة بالنسبة له، وهذا هو السبب الذي يجعل أبناء الأغنياء ينضمون إلى الزحف الذي يحدث في المجتمع، وذلك لاقتناعهم بان الاستغلال لم يبق له مبرر، لان الحاجات قد تحررت، وأصبح الحصول عليها سهلا في المجتمع الاشتراكي الجديد. ولان هذا الاتجاه يخدم مصلحتهم حتى إن كانت هذه المصلحة أنانية، لم يعد الانسان يبحث عن القدرة الشرائية التي يكدسها ضمانا لاشباع حاجاته.
وعندما يقتنع الأغنياء بالأطروحات الجديدة الي تنادي بها النظرية العالمية الثالثة، ويدركون أن هذه الأطروحات تحقق إشباع حاجاتهم سوف ينضمون للزحف الذي يقوم به الكادحون لتحقيق المجتمع الاشتراكى الذي يحرر الناس بتحرير حاجاتهم ويجعلهم قادرين على الحصول على هذه الحاجات، لأنها تصبح في حدود ما يتوفر لديهم من قدرة شرائية، فتصبح المعيشة بذلك ميسورة وليست صعبة مثلما هي الحال في المجتمعات القائمة حتى الآن.
كيف تصبح المعيشة صعبة؟
تصبح المعيشة صعبة بالنسبة للانسان عندما تكون حاجاته تحت سيطرة الاخرين، فالانسان الذي يسيطر على حاجات الانسان الآخر ويتحكم فيها يتمكن من ممارسة الاستغلال. والمجتمع الذي يسمح بالاستيلاء على حاجات الآخرين يسمح ببيع هذه الحاجات إلى من حرم السيطرة عليها. فتنبع حرية النشاط الاقتصادي من هذه القاعدة.
بذلك يتمكن من يسيطر على حاجات الآخرين من مضاعفة أسعار هذه الحاجات محققا بذلك أقصى ما يستطيع من ربح، ومن هذا تأتي صعوبة الحصول على الحاجات. فصعوبة الحصول على الحاجات تنبع من ظاهرة غلاء المعيشة، الناتجة من مضاعفة أسعار الحاجات.
إذا كانت تكلفة البدلة عشرة دنانير، فإن هذه البدلة قد تباع بعشرين دينارا ويضطر آلاف المحتاجين لشرائها لانها تشبع حاجة من حاجاتهم. وليس لهم في ذلك خيار لان حريتهم مفقودة بفقدان حاجاتهم. ولانه لا توجد صيغة أخرى فى هذا المجتمع القائم على الاستغلال يتعامل الناس على أساسها، فمن أين يشترى الناس البدلة التي احتكر التاجر بيعها، عندما لايوجد قطاع في المجتمع يتكفل بتوفير هذه الحاجة؟
إن التاجر يقدم خدمة لمجتمع، ولكن ماذا يترتب علىهذه الخدمة؟
ان الخدمة التي يقدمها التاجر يترتب عليها استغلال إنسان لإنسان آخر فالتاجر بتحكمه في حاجات أفراد المجتمع يتمكن من السيطرة عليهم، ومن استغلالهم لمصلحته في ظل القوانين القائمة في هذا المجتمع.
ولذلك ينقسم المجتمع القائم على الاستغلال إلى فقراء وأغنياء ويجري فيه النهب والسلب وتجاوز الحدود، ويحدث ذلك سعيا وراء تكوين القدرة الشرائية وتكديسها. فالقدرة الشرائية هي التي تمكن الانسان من الحصول على حاجاته، وهي التي تحقق السعادة. وتتراكم القدرة الشرائية نتيجة لذلك عند الأغنياء، ويصبح الفقير عاجزا عن الحصول على حاجاته لفقدانه لتلك القدرة الشرائية.
فالشحاذون موجودون فى جميع أنحاء العالم لانهم يفقدون القدرة الشرائية اللازمة لحصول على حاجاتهم. والقدرة الشرائية لا تتوفر إلا بتوفر المال. ولكن السعي من أجل الحصول على المال وتكديسه هو نفس العامل الذي يؤدي إلى الاستغلال. فاذا استطاعت الاشتراكية الجديدة أن تجد حلا لهذه المشكلة، فانها تجنب المجتمع الوقوع في دائرة الاستغلال.
لايكون الانسان سعيدا إلا إذا أصبحت حاجاته متوفرة ومعيشته مضمونة. فالمأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج والمركوب.. كل هذه الحاجات لابد ان تتوفر للانسان. ولكن هذه الحاجات في الوقت الحاضر لا تتوفر إلا عن طريق الاستغلال والنهب وتجاوز الحدود.
إن خلاصة التطبيقات الاقتصادية التي تجري فى العالم حتى الآن، هي إنتاج السلعة ومضاعفة ثمنها لكي تتحقق الارباح.
وهذه الارباح تأتي من المستهلكين في المجتمع. فاذا كان المنتج يتبع القطاع الخاص فانه يضاعف الثمن لكي يصبح غنيا، ويتمكن من الحصول على القدرة الشرائية اللازمة لاشباع حاجاته. وإذا كان المنتج يتبع القطاع العام فانه يضاعف ثمن السلعة لكي يزيد من الدخل العام للدولة. وهكذا، نلاحظ أن الارباح قد جاءت من نفس أفراد المجتمع الذين نحاول أن نحقق لهم الرخاء عن طريق الميزانية العامة.
إن الحل الاشتراكي الجديد يقضي على هذه الطريق الطويلة، فالحاجات تباع الآن لافراد المجتمع بثمن مضاعف حتى تحقق ربحا لصاحبها أو للدولة، ولكن الناس تريد تلك الحاجات رخيصة. وأن تتوفر لهم الخدمات وأن يرتفع مستوى معيشتهم. ولما كانت مضاعفة ثمن السلعة تعني سحب القدرة الشرائية من المستهلكين من أفراد المجتمع، والحل الاشتراكي الجديد يرمى إلى ترك تلك القدرة الشرائية لديهم، وذلك بمضاعفة إنتاج وحدات السلعة بدلا من مضاعفة ثمنها، فان السلعة تصبح رخيصة بسبب زيادة عرضها.
إن سحب قدرة المستهلكين الشرائية، وهو الذي يجرى الآن في معظم المجتمعات عن طريق مضاعفة ثمن بيع السلع، هو استغلال ونهب وابتزاز. والاشتراكيات القائمة الان في العالم تسير وفق مبدأ الاستغلال نفسه الذي تعمل به الرأسمالية.. وهو مبدأ مناقض للمبدأ الذي تعمل به الاشتراكية الجديدة التي لا تهدف إلى مضاعفة ثمن السلعة، وإنما إلى مضاعفة وحدات السلعة المنتجة، وبذلك يتحول النشاط الاقتصادى فى المجتمع الاشتراكي الجديد من نشاط غير انتاجي يبحث عن الربح من أجل الادخار الزائد عن اشباع تلك الحاجات إلى نشاط انتاجي.
فاذا ضاعفنا عدد وحدات السلعة المنتجة فاننا نلتقي مع قاعدة طبيعية تعترف بها الرأسمالية نفسها، وهي:
"إن زيادة عرض السلعة، مع بقاء العوامل الأخرى على ما هي عليه، يؤدي إلى انخفاض ثمنها"ويعنى ذلك أن زيادة الانتاج. يجعل الحاجات رخيصة. وينتهى نتيجة لذلك ما يسمى بغلاء المعيشة وارتفاع الاسعار والتضخم والاستغلال...الخ.
إن غاية المجتمع، الاشتراكي الجديد هي إشباع الحاجات المادية لافراده ويتحول كل فرد في هذا المجتمع إلى منتج ينتج ما يشبع حاجته، وتنتهي بذلك مشكلة غلاء المعيشة الى تنشا من سحب القدرة الشرائية من أفراد المجتمع. وتصبح العملية منحصرة في توزيع الانتاج على أصحاب الحق فيه من أفراد المجتمع.
حوافز الانتاج:
تهدف النظرية العالمية الثالثة إلى إلغاء الأجرة وتحرير الإنسان من عبوديتها والعودة إلى القواعد الطبيعية وتحويل العمال إلى منتجين شركاء فى الانتاج. وعندما يتحرر العامل، يتضاعف الانتاج لان العامل"المنتج" أصبح يعمل لنفسه وهو يخلص فى عمله الانتاجي دون شك، لان باعثه على الاخلاص في الانتاج هو اعتماده على عمله الخاص لاشباع حاجاته المادية من ذلك الانتاج الذي هو شريك فيه، ولذلك فان ظاهرة التقاعس التي تواجه كلا من القطاع العام والقطاع الخاص في معظم بلاد العالم سوف تختفي باختفاء الاجرة والأجراء.
إن البلدان ذات القطاع العام ، ينتج العامل فيها عشر وحدات من السلعة فتعطيه الدولة وحدة واحدة من هذا الانتاج، وتحتفظ للمجتمع ببقية الانتاج تنفقها على الأبحاث والاسلحة والحرب والتعليم والصحة وغير ذلك من الخدمات.
ونتيجة لذلك فإن الشغيل الذي أخذ وحدة واحدة من إنتاجه، يتقاعس عن الانتاج.
لماذا يزيد العامل من إنتاجه، وهو مهما ضاعف من جهده لا يناله من هذا الجهد إلا ما قرره المجتمع، وهو الحد الادنى؟
أما في النظام الرأسمالي، فان العامل الذي ينتج لصالح رب العمل مقابل أجرة لا يعمل إلا بقدر يضمن له فرصة هذا العمل، بحيث لا يظهر التراخي او التقاعس عن الانتاج إلى حد يفصل بسببه من العمل. وهكذا نجد الشغيلة في النظام الرأسمالي مضطرين للانتاج لكي يحافظوا على فرصة العمل.
والرأسماليون في النظام الرأسمالي لا ينتجون، وإنما ينتج الاجراء الكادحون وهم مضطرون للانتاج لصالح الطبقة الرأسمالية.
أما في الدولة ذات القطاع الواحد والتي تحرم فيها الملكية الخاصة، فان الشغيلة تتقاعس عن الانتاج. لان المجتمع ملزم بتوفير الحد الادنى اللازم للمعيشة لكل أفراده. ومن ثم فإن الشغيلة لا تنتج لكي تحافظ على فرصة العمل كما هو الحال فى القطاع الخاص.
يقول أصحاب المذهب الذي يعطي الدولة حق أخذ إنتاج العمال لصالح المجتمع بأن هدف الدولة في ظل هذا المذهب، هو خلق الانسان المثالى الذي ينتج لصالح المجتمع ولصالح البشرية.
يواجه هذا المذهب منعطفا خطيرا، وهو التقاعس عن الانتاج، وهذه وضعية لاحل لها لان المجتمع قائم أصلا على تحويل جميع أفراده إلى شغيلة أجيرة للدولة. وقد حرم عليهم النشاط الخاص، وسحب منهم حق الملكية الخاصة، وأصبحت الشغيلة ملزمة بالعمل في الملكية العامة عملا جماعيا مقابل أجرة تمثل جزءا من إنتاج الشغيلة وأما الباقي فانه يحول لصالح المجتمع، لكي يتكدس الانتاج، ويصبح ملكية مشاعة للجميع وتتحقق بذلك مقولة: "من كل حسب جهده إلى كل حسب حاجته".
إن تلك المقولة غير قابلة للتطبيق، ويصعب على الانسان أن يؤمن بها. لأن ذلك المذهب يبنى تصوره على فرض تكديس الانتاج حتى يتحقق النعيم الارضى. ولكن الحقيقة أن الشغيل إذا أنتج عشر وحدات من السلعة. ولم يعطه المجتمع إلا وحدة واحدة فانه سوف يتقاعس عن الانتاج حتى يصل به إلى حده الادنى، ويصبح تكديس الانتاج، نتيجة لذلك أمرا مستحيلا، ولذلك نجد أن أصحاب ذلك المذهب يبحثون عن حوافز تدفع الشغيلة للانتاج.
مشكلة البطالة:
نجد في المجتمع الرأسمالي أن فرص العمل غير متوفرة للجميع، حيث توجد البطالة، وذلك لأن فردا ما من أفراد المجتمع يمكنه أن يأخذ من فرص عمل الآخرين. فإذا وجدت في المجتمع فرصة عمل واحدة لكل فرد من أفراد المجتمع، وأخذ فرد ما فرصتين، فان ذلك يعني وجود اخر بدون عمل. وهكذا إذا كانت فرص العمل مليوني فرصة واستطاع فرد ما أن يحصل على مليون فرصة فإن مليون فرصة فقط تبقى للآخرين، ويعني ذلك وجود مليون عاطل إذا كان عدد أفراد المجتمع مليوني نسمة. وهذا هو ما يجري في البلاد الرأسمالية، حيث تقوم المظاهرات والاضرابات وتوجد البطالة نتيجة لعدم تساوي فرص الأفراد في العمل وفقا لقوانين الاستغلال القائمة. ونتيجة لذلك، نجد عاملا غنيا لانه أخذ فرص عمل عدد من العمال الآخرين، ونجد في مقابل ذلك عمالا فقراء بعدد فرص العمل التي استولى عليها ذلك الغنى.
ان ظاهرة البطالة في أي مجتمع ليست نتيجة لعدم وجود فرص العمل في المجتمع، وحتى لو وجدت فرصة عمل واحدة فقط لوجب تقسيمها على أفراد المجتمع.
ومن ثم، إذا وجدنا أفرادا عاطلين عن العمل في مجتمع ما فإن ذلك يعني أن هذا المجتمع قائم على الاستغلال وغير عادل لانه سمح بالاستيلاء على فرص العمل الخاصة بأولئك العاطلين عن العمل من قبل أفراد آخرين. وإذا وجدنا في المجتمع أغنياء وفقراء، فمعنى ذلك أن الأغنياء قد استولوا على حق الفقراء، وأن هذا المجتمع لا توجد فيه عدالة اجتماعية.
وإذا وجدنا في المجتمع من يملك المنازل التي تزيد عن حاجته ووجدنا من هو محروم منها. فان ذلك يعني أن هذا المجتمع به خلل، وأن الثروة فيه ليست مقسومة على عدد السكان، قسمة طبيعية. فاذا كان المجتمع يستطيع أن يوفر منزلا واحدا لكل مواطن وسيطر مواطن ما على أكثر من منزل واحد، فانه بذلك يكون قد استحوذ على حصة مواطن آخر، وإذا كانت إمكانات المجتمع تكفى لبناء حجرة واحدة لكل مواطن، وسيطر مواطن ما على أكثر من حجرة واحدة، فانه بذلك أيضا يكون قد استحوذ على حصة مواطن آخر، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عن طريق العملية الاستغلالية التي تمكن من ممارستها في المجتمع الاستغلالي الذي تبيح قوانينه النهب والاستغلال.
أين تتجه الثورة؟
هل تتجه الثورة إلى من قام بعملية الاستغلال؟
إن الثورة تتجه إلى تحطيم قواعد الاستغلال التي يقوم عليها المجتمع الظالم.. تتجه إلى تحطيم القوانين الظالمة.
إن قوانين العمل في دول العالم الرأسمالي تسمح بسرقة جهد العمال. وتعطي في صورتها الاصلاحية التلفيقية، للعامل حق المشاركة في الأرباح والادارة. مادام القانون يسمح بوجود رب عمل وعامل، ولا يعنى ذلك شيئا بالنسبة للعامل، لان هذه العلاقة لا تقوم إلا على سرقة جهد العامل، ولان رب العمل لا يستطيع تحقيق الربح إلا بسرقة جهد العامل، وبالرغم من حماية العمال من الفصل التعسفي حيث لا تسمح القوانين المتبعة في عقود العمل بفصل العامل إلا عن طريق نقابة العمال وبعد إنذار بذلك، فان المشكلة لم تحل بعد، لان هذه القوانين ما زالت قائمة على الاستغلال، وعلى النظام الطبقي، حيث يوجد سادة وعبيد، ولكن السيد هنا لا يطرد عبده إلا بشروط هي كذا وكذا.
إن إضفاء بعض الزينة على هذه العلاقة لكي تصبح براقة ومغرية، كما هو الحال في كثير من المجتمعات، لا يعنى القضاء على المشكلة. إن المشكلة لا تنتهي إلا بالقضاء على هذه العلاقة نفسها، ولا تنتهي المشكلة إلا بإلغاء رب العمل ليصبح العمال منتجين"شركاء لا أجراء" وهي قاعدة تهدم قاعدة الاستغلال.
لقد تحول العمال، في الدولة الماركسية إلى أجراء للدولة بعد أن كانوا أجراء للرأسماليين. كما أن الدولة التي يوجد بها قطاع عام وقطاع خاص لا يفصل فيها العامل فصلا تعسفيا بل يشارك في الارباح، وفي الادارة ويعمل في إطار قاعدة الاستغلال التي تعنى رب عمل وعاملا، سيدا وعبدا، طبقة غنية وطبقة فقيرة، طبقة تملك الحاجات وطبقة تحصل على حاجاتها نظير خدمتها لهذه الطبقة.
تقرر قوانين الاستغلال أن على العامل أن يتنازل عن عدد من ساعات عمله للسيد الذي يسمح له بالعمل حتى يربح هذا السيد، وهي بذلك كأنها نقول"هذا السيد يجب أن يربح على حساب هذا العبد".
أن منطق الثورة يقول "إن الذي أعطاك حق التصرف في عملي لابد أن يعطيني أنا أيضا نفس هذا الحق. فمن أين جاءك الحق لكي تصبح رب عمل ولا أصبح أنا كذلك رب عمل"؟
إن وجود رب عمل وعامل قاعدة، سواء قررها المجتمع أم لم يقررها، لا مبرر لها إطلاقا، فالعمل يجب أن يقسم على جميع أفراد المجتمع، وهم شركاء فيه لان فرص العمل يجب أن تقسم بالتساوي على أفراد المجتمع، حتى يكونوا كلهم أرباب عمل أو يكونوا كلهم عمالا.
إن التسهيلات والامكانات والقروض والضمانات التي تقدم لارباب العمل، والي تمكنهم من استغلال غيرهم هي من حق جميع أفراد المجتمع، ونصيب كل فرد فيها مساو لنصيب غيره، ولذلك لا يصح استخدامها وسيلة من وسائل استغلال الآخرين.
الثورة والحرية:
إن الثورة الحقيقية هي التي تهدم تلك القواعد، وهي التي تدمر مجتمع الاستغلال وتبني بدلا فه مجتمعا جديدا ليس بين أفراده عبيد، وتكون الحرية فيه حقا مكفولا لجميع أفراده. وحيث إن الحرية تكمن في توفر حاجات أفراد المجتمع، فان صاحب العمارة يجب أن تصغر عمارته حتى تصير منزلا يكفي إشباع حاجته، دون أن يعتدي على حاجة الآخرين من أفراد المجتمع.. وبذلك يجد نفسه في مستوى أفراد الشعب، لان كل فرد له حق في منزل واحد. والذي يملك أرضا للبناء ينبغي أن تتقلص هذه الارض التى استحوذ عليها حتى تصير قطعة تكفي لبناء منزل واحد ذلك لان هذه النظرية تهدف إلى إيجاد مواطن حر يملك حاجاته ولا يسمح لغيره باستغلاله. وهذا التوجه هو الذي يحقق الاشتراكية الجديدة. أما الاشتراكية المطبقة في النظم الماركسية فهى ليست اشتراكية وليست شيوعية. لقد تصور ماركس حلا حاولت بعض البلدان تطبيقه فأصبحت ماركسية. ولا يمكن تسمية هذه البلدان الماركسية شيوعية. لأن الشيوعية فكرة طوباوية قديمة وجدت قبل وجود ماركس نفسه. ولم يكن ماركس نفسه شيوعيا قبل انضمامه إليها أخيرا.
وعند تحليل المعطيات الموجودة في المجتمعات الماركسية نجد أن هذه المجتمعات لم تحقق إلا ما يمكن أن نطلق عليه"رأسمالية الدولة". وقد حلت هذه الرأسمالية الجديدة محل رأسمالية الأفراد، ولكن الماركسية قد تتراجع لتصبح اشتراكية عندما تتبنى مقولات الفصل الثاني من الكتاب الأخضر. أما البلدان التي لا هوية لها والتى هي ليست ماركسية وليست رأسمالية كما هو الحال في معظم البلدان النامية. والتي ليس لها القدرة والاقتناع بما يجعلها بلدانا ماركسية أو رأسمالية. فمثل هذه البلدان تحاول أن تتبع خطا إصلاحيا، فهى أنظمة إصلاحية رأت مساوئ الرأسمالية، فوقعت فيها حركات سياسية تغييرية ليست بالثورات وإنما هي حركات هدفها تغيير نظام سياسي بنظام سياسي اخر. وقد حل في مثل هذه البلدان حزب يسارى محل حزب يمينى، وطبقة جديدة محل طبقة أخرى يحكم فيها الراديكاليون أحيانا، والعسكريون أحيانا، والطبقة المتعلمة التي يشترك معها بعض الماركسيين أحيانا أخرى.
تلك النماذج هي التي تحكم الآن هذه البلدان، خاصة ما كان منها مستعمرا من قبل البلدان الرأسمالية. فلا اشتراكية في هذه البلدان تطورها ولا رأسمالية تأخذ بها. هذه البلدان تحاول رفع مستوى الطبقات الكادحة عن طريق كبح جماح الرأسمالية، وتقريب الفوارق بين الطبقات، وتحديد الملكية، وتجديد الدخل، والضرائب التصاعدية، وخلق فرص عمل جديدة، ومشاركة العمال في الادارة والأرباح، وتأميم بعض المشروعات ..هذه العملية هي عملية تلفيقية إصلاحية. وعند تحليلها نجد أنها خليط من الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية. لأن قوانين العمل موجودة إلى جانب التجارة الحرة والاستغلال والقطاع العام الذي تملكه الحكومة، وهذا ما يجري في معظم البلدان النامية.
إن العمال فى المجتمعات الماركسية يتقاعسون عن العمل والإنتاج لأنهم أجراء عند رب عمل واحد وهو الدولة، والدولة تكفل لهم الحد الادنى من المعيشة، الامر الذي يؤدي بالانتاج إلى الانخفاض حتى حده الادنى، ويضع المذهب الماركسي أمام طريق مسدود.
والحزب، الذي قرر أن يقود المجتمع حتى يحقق الشيوعية، غير قابل للتغيير وليس له معارضة، لان المعارضة تعني عند هذا الحزب برجوازية.. وهي ردة عن الماركسية اللينية يجب سحقها. ومن ثم لايتمكن المجتمع من حكم نفسه بنفسه. ولن تقوم فيه سلطة الشعب، وإنما تبقى سلطة الحزب الشيوعي إلى الابد، لان تنازل الحزب عن السلطة لصالح الشعب يعني انتهاء التحول نحو الشيوعية.
إن طبقة العمال (البروليتاريا) ليست هي الطبقة التي تحكم وإنما الذي يحكم هو الحزب الشيوعي. الذي سخر طبقة العمال للقضاء على بقية الطبقات حتى تصبح طبقة العمال هي قاعدة المجتمع. وانتصب الحزب بعدها حاكما على هذه الطبقة، وهو الذى يقودها. وقد كانت مهمة العمال هي القيام بالثورة لكي يصل الحزب الشيوعي إلى السلطة. ولكن بمجرد وصول الحزب الشيوعي إلى السلطة ينتهي دور البروليتاريا، وتصبح المهمة التاريخية هي مهمة الحزب الشيوعي، الذي يبقى إلى الابد على رأس المجتمع. وهذا الوضع يعتبر وضعا ديكتاتوريا أبديا يملك في الحزب الشيوعي السلطة والثروة والسلاح.
والدولة في البلدان الماركسية هي الحزب الشيوعي كما أن ملكية الدولة تعني ملكية الحزب، فالحزب هو السلطة. أما المجالس الشعبية (السوفيتات) فان أعضاءها يختارهم الحزب، وكذلك الحال بالنسبة للجنة المركزية والمكتب السياسى والامين العام للحزب، هؤلاء كلهم من أعضاء الحزب الشيوعي، وكذلك يكون الجيش العقائدي هو جيش الحزب.
فالماركسية إذن، لاتحقق الشيوعية ولاتحقق الديمقراطية. وهذا الحزب الدائم يخلق البيروقراطية، التي يعلو ركامها عاما بعد عام حتى يقتل كل شىء. كما أن مشكلة التقاعس في الانتاج تؤدي بهذا النظام إلى الطريق المسدود.
وهكذا نرى أن النظرية الرأسمالية قد قامت على الربح والجشع والاستغلال في حين حاولت النظرية الماركسية أن تتجنب هذا باعتباره رد فعل للرأسمالية، ولكنها أيضا فشلت في إيجاد الحلول النهائية لمشاكل الانسان.
أما النظرية العالمية الثالثة فهى تعود إلى النواميس الطبيعية النى تعتبر الانسان واحدا، والتي تعتبر أن الحرية لا تتجزا.
إن النظرية العالمية الثالثة ترجع إلى القواعد الطبيعية وهي تنادي بالعدل المطلق، بغض النظر عن إمكان وقدرة أي مجتمع على توفير الحاجات، لان توفير الحاجات يتطلب شعور الناس بعدم الظلم حتى يصبحوا قادرين على زيادة إنتاجهم.
لايمكن في مجتمع الاستغلال توفر ما يكفي لاشباع حاجات المجتمع، لان الغالبية الساحقة تشعر بأنها مستغلة، ومن ثم لا تبذل كل جهدها من أجل الانتاج. فاذا زال الاستغلال عن الانسان أعطى هذا الانسان كل جهده، وهو ما يسمح بتحقيق جو مثالي لتوفير الحاجات وهذه هي الاشتراكية الجديدة.